أيها المسيحيون: كل مجد زائل فلا تكونوا تاريخاً في كتاب (بقلم حسين فواز)
بعد تفجير بيروت على رؤوس أهلها وتهديم مساكنها. وبعد قتل عروس الثورة، الفائقة الجمال، الوردة الندية الكسندرا نجار بنت الخمس سنوات. والتي رأيناها مظللة بعلم لبنان. في أحد المشاهد البهية التي مرت بها الثورة. نعم بعد “قتلها” فهي ليست شهيدة. هي اغتيلت من نظام فاسد ومجرم. بنت الخمس سنوات ممنوع أن تكون شهيدة. هي وردة تتفتح لاستقبال الفجر والضوء. نعم هي ليست شهيدة. هي ضحية. بنت الخمس سنوات ما علاقتها بالشهادة. بنت الخمس سنوات لا يمكن حبسها في راية حداد.فمن يا ترى يحبس شعاع نور في قنينة سوداء. وهديل حمامة في قمقم. من يمنع الألحان من ملامسة النسيم. ألكسندرا نجار حقل قمح يتموج بخُضر السنابل وموسم دراق يفوح بأطيب الروائح.
أما أنت يا شعب لبنان المعذب فبعد كل الذي وصلنا اليه اليوم وبعد مرور شهور طويلة على ثورة 17 تشرين ووصول الأمور الى تطورات سياسية كبيرة وخطيرة وبعد التمهل الطويل قبل انتقال الثورة الى مرحلةٍ اخرى فقد أصبح من حقنا ان نتلفت الى الناشطين والمفكرين في هذه الثورة فنرى أنه من حق الناس عليهم بعد أن احتلوا الشوارع طويلاً وبذلوا جهودًا عظيمة لإسقاط هذا النظام أن يخطوا هؤلاء حالاً وإلى الأمام. لتشكيل وفد للتوجه إلى عواصم القرار وتحريك الأمور. بداية من باريس وإلى الأمم المتحدة ومنظماتها الحقوقية والإنسانية. لشرح قضية لبنان أمام شعوب العالم. والطلب إلى هذه الدول والجهات مساعدة لبنان وشعبه باعتبار أن الدولة في لبنان قد أصبحت فاشلة. وكمساهمة على طريق مساهمات نأمل أن تأتي من اللبنانيين لاحقاً، فإنني ألتزم بتقديم مبلغ 20 مليون ليرة دعما لهذه الفكرة.
إن الفساد في لبنان قد بدء من سنة 1990 مع رئاسة الياس الهراوي. وبعدها بسنتين كانت “الترويكا” وهي كلمة روسية تعني: عربة يجرها ثلاثة خيول. ان عربة الفساد في لبنان جرها منذ سنة 1992 الياس الهراوي ورفيق الحريري ونبيه بري. كانوا يتفقون ويختلفون ويتخاصمون ويتصالحون لمصالحهم وليس لمصلحة لبنان. حتى أن الفساد غدا على يد هذه “الترويكا”، سياسة رسمية، مشرّعة الأبواب. في كل الإدارات والمؤسسات المدنية والعسكرية والقضائية. وخاصة القضائية. وأصبح التلفون وسيلة أساسية للحصول على الأحكام تحت الطلب. واستمرت هذه العربة اللعينة في المسير. بعد أن تسلم قيادتها لاحقاً حزب الله. وأجلس بجانبه معاونين كثر أبرزهم جبران باسيل راكب جديد في هذه العربة. وذلك تحت “يافطة” الإصلاح والتغيير.وبالفعل كان الإصلاح “إصلاحاً”. أما التغيير فقد حصل . وكان مؤلماً، إذ حفر عميقاً في قلب لبنان وشوّه وجهه. حتى أن وصلت هذه العربة في سنة 2014 إلى العنبر 12في مرفأ بيروت. وبعد سنوات هدمت بيوتها فوق أهلها. وبعد ذلك وعلى الأثر هرع إلينا رئيس جمهورية عظيمة هي فرنسا. التي تكنُّ للبنان واللبنانيين حباً خاصاً. فقد جاء إلينا فور وقوع المأساة. إجتمع في قصر بعبدا بالثلاثة وأسمعهم كلاماً خالياً من الدبلوماسية. وبعدها كان اجتماع قصر الصنوبر الذي هو أرض فرنسية وقال لمسؤولي السلطة والأحزاب أنتم فاسدون وعاجزون ولستم محل ثقة لا في الداخل ولا في الخارج. وأنتم غير مؤتمنين. فألقوا المسؤوليات بعضهم على بعض كالتلامذة الصغار. لكنّ شيئا مهماً حصل في هذا اللقاء. هو خلوة العشر دقائق بين ماكرون ومحمد رعد. إذ أخبره الرئيس ماكرون عن تحركات المخابرات التركية في شمال لبنان وعكار وإعداد مجموعات مسلحة يكون عمقها في سوريا ومناهضة لحزب الله في سيناريو شبيه بما يحصل في ليبيا .وشيء آخر تعهد به ماكرون وبالتنسيق مع الرئيس الأمريكي هو الضغط على إسرائيل لترسيم الحدود البرية والبحرية معها بما يرضي لبنان والبدء بالحفر في البلوكات البحرية الملاصقة بواسطة توتال الفرنسية. أما أكثر ما أدهش اللبنانيين والفرنسيين معاً فهو المشاهد الرائعة لهذا الرئيس الشاب يتجول في الأحياء المدمرة. بين الحشود المزدحمة. في تفلت تام من قيود الدبلوماسية وشروط الحماية حتى من “الكورونا”. كان “يعبط” الناس كباراً وصغاراً وعجزة ويأخذهم في صدره وقلبه في حب عظيم.
كانوا يتكلمون الفرنسية معه بإتقان وبعضهم بشيء من اليسر. صعد الدرج مسرعاً في البناء الآيل للسقوط للقاء “الختيارة” التي طلبت لقاءه. حضنها وحضنته. بكيا. كأنهما أم وولدها. قالت له: أنت رئيسي. كثيرون قالوا له: ليتك رئيس لبنان. الفرنسيون دُهشوا وكانوا سعيدين بذلك. قالوا: نحن شعبه لم يعاملنا بكل هذا الحب. دُهش ماكرون لحيوية الشعب اللبناني وثقافته وحبه إلى فرنسا. التي أعطته لغتها الجميلة وفنون عيشها وقيم الديمقراطية والأخوة والحرية وحقوق الإنسان التي أتحفت بها العالم. وبعد ذلك انتشرت تعليقات اللبنانيين في الهواتف وهم يتمنون لو كان ماكرون رئيسهم وكانوا يناشدونه بعودة الانتداب le mandat على لبنان.
هذه الصور الجميلة والمؤثرة في القلب والوجدان ستبقى في التاريخ وفي الذاكرة. لكنّ ذلك لم يسعد نائباً “اصلاحياً تغييرياً” إسمه سليم عون أزعجته هذه المشاهد الرائعة وأزعجه أكثر شباب الرئيس الفرنسي وحيويته المتدفقة. فغار منه على رئيسه. فكتب على صفحته ما يلي “لفتني صوت أحد المتجمعين حول الرئيس الفرنسي ماكرون يصرخ “ببوس إجرك إنتدبنا”. هو والذين على شاكلته من فاقدي الكرامة والأخلاق، من يستحقون التفوووووه”. إنتهى كلام النائب الإصلاحي. نرد عليه ونقول له: هم ليسوا شوية متجمعين هم اعداد غفيرة وبالالاف و تفوووه على منافق مرائي لا يكون صادقاً مع نفسه. تفوووه على من يعميه الجهل والتعصب. تفوووه على من وضع نفسه ووطنه مطية ورهينة لست سنوات في رئاسة جمهورية. هي لمحة بصر في عمر الزمن. وهي صفحة عار في تاريخ لبنان. نعم ان معظم اللبنانيين المقهورين يتمنون من قلوبهم لو كان ماكرون رئيسهم. تكتبون عن الكرامة والأخلاق. هل أبقيتم للبنان كرامة!. هل للجوعى والمفلسين كرامة. حبستم الكهرباء في شركتكم الحصرية منذ 10 سنوات. أين هي وعودكم المتكررة 24/24. صدقت ال 24/24 وكذّبكم الظلام والعتمة. أين محاربة الفساد الذي عم الدنيا في عهدكم. نصف الدين العام من فسادكم وكهربائكم وبواخركم وفيولكم ومحاصصاتكم. أبقيتم البلد ثمانية شهور بلا حكومة لتفرضوا جبران باسيل الساقط في النيابة وزيرا للكهرباء. دوماً للكهرباء كأنها أصبحت ملكاً لكم. والنتيجة تعتيم دائم. أبقيتم البلد بلا رئيس جمهورية سنتين ونصف قهرا وظلما للبنان وتخريبا للبلد. أنتم وحزب الله وذلك تنفيذاً لاتفاقية المقايضة في كنيسة مارمخايل لتصلوا الى كرسي الرئاسة .اصبحت هذه الكرسي هدفكم ولو مات لبنان. والآن تتكلمون عن الكرامة والأخلاق. فأنبريت وتحمست تنتقد وتهاجم مواطن مجروح وجائع ومقهور لأنه يطالب الرئيس الفرنسي بالانتداب. هذا المواطن أكثر صدقاً وعفوية منك. أنت الذي تتملق وتتزلف إلى الوطن الذي تدعي حبه. أين هي التشكيلات القضائية التي أنجزها القاضي المميز سهيل عبود ورفاقه منذ شهور. مع العلم أن أول شرط في سيدر والمؤسسات المالية المانحة هو تنقية القضاء وتقوية السلطة القضائية وتحريرها من الفساد وجعلها مستقلة. ونسألكم لماذا هذا الرئيس القوي الذي يدعي دائما أنه مع قضاء مستقل. يحبس هذه التشكيلات الملزمة في “جاروره” ونحن ندعوا الله ان لا يكون قد “ضيّع” مفتاح “الجارور”. إن هذا العهد القوي وهذا الرئيس القوي افلسا الحياة في لبنان.
اللبنانيون البسطاء الصادقون يصرخون بأعلى صوت: نريد الانتداب. وأنا شخصيا ونيابة عن عائلتي اعلن بأعلى صوت ومن على صنوبر بيروت أننا نريد الانتداب. ومنذ الآن سأفتش عن جنسية أخرى لنا. ولتحاكمنا هذه السلطة العاهره بتهمة الخيانة العظمى. أنتم يا من علّقتم الوطن على خشبة رئاسة جمهورية وبعتوه بثلاثين من الفضه . سقا الله أيام كميل شمعون وريمون اده وفؤاد شهاب.كانت ايام عز للبنان. اليوم
أصبح لبنان كله شهيداً ومشروع شهادة. صُوَر الشهداء تملأ الوطن .الشهادة ليست هي القاعده .هي استثناء .القاعدة والاصل هي الحياة. السواد يرفرف فوق كل لبنان من الجنوب الى الشمال. حوّلتم الوطن الى جنازة .اللبنانيون يحبون الحياة ويريدونها. كفى موتاً وشهادة وشهداء. أما أنتم أيها المسيحيون فعودوا الى لبنان. تصالحوا وتضامنوا معا. لا تدعوا منصبا يغرّكم ويفرّق بينكم. رئاسة الجمهورية مهما علت تزول .المهم ان تبقى الجمهورية وأن يبقى لبنان. أنتم في بحر هائج. أنتم آخر وجود مسيحي في الشرق وآخر رئيس جمهورية مسيحياً في بلاد العرب . المناصب تذهب بأصحابها وتفنى. يبقى التاريخ. تذكّروا أحفادكم الآتين من الغيب مع الأيام. دعوهم يعيشون في بلد جميل اسمه لبنان. لا تجعلوهم تاريخاً في كتاب. فقط تاريخاً في كتاب. المناصب تافهة لا قيمة لها. هي تزول. تذكروا قول السيد المسيح: كل مجد زائل. كل مجد زائل.