اخر الاخبار

جعجع: نواجه أزمة وجودية لا تشبه أيا من الأزمات التي ممرنا بها منذ العام 1975

أكّد رئيس حزب “القوّات اللبنانيّة” أننا “باقون وبيروت باقية والأشرفية والصيفي والرميل والجميّزة ومار مخايل والمدور والكارانتينا باقون ومعكم يا شهداء وجرحى ومنكوبي بيروت باقون ومعكم يا شهداء المقاومة باقون من أجل كل شبر من بيروت والجبل والشمال والجنوب والبقاع باقون”، لافتاً إلى أنهم “إن فجّروا واغتالوا وسرقوا وأهملوا واستهتروا وكذبوا نحن باقون، يتمسكون بكراسيهم ولكن في النهاية هم سيرحلوا ونحن باقون”، مشددا على أنهم “بإهمالهم وتآمرهم حرقوا بيروت وحرقوا من أتوا للإطفاء من خيرة الشباب والشابات الأبطال الذي لم يأت ببالهم ان التآمر والاستهتار ممكن بيوم من الأيام أن يصل إلى هذا الدرك، فسقطوا غدرا وسقط معهم المئات، وسقط مع سقوطهم آخر الأقنعة عن وحوه المسؤولين الصفر اللعينة الخادعة والمصممة ألا تغيب عن أنظارنا قبل أن تدمّر إذا استطاعت ما تبقى من لبنان. ولكن،رياح العالم كلها لن تجبر سفننا أن تبحر بعكس إرادتنا، وستجري سفننا بما لا تشتهي رياحهم، لأنّها ستجري بعكس التيّار، وستصل إلى برّ الأمان ،وسترسو في مرفأ بيروت لتبقى بيروت عاصمة الحريّة والسيادة والازدهار والحضارة والبحبوحة في هذا الشرق”، موضحاً اننا “باقون حتى التخلص منكم يا أهل السلطة والتآمر والفساد والإهمال ولإعادة إعمار ما دمرتمون واستعادة ما نهبتموه وللمحاسبة ولكي نقول للعام اننا كما بقينا وقاومنا ورفضنا الاحتلال والعروض والتنكيل والإبتزاز والإضطهاد والإعتقال هكذا سنبقى وهكذا باقون فنحن بقوّة الحقّ والحقيقة باقون ومن أجل من رحلوا باقون ومن أجل من سيأتوا باقون ولكي تبقى الأجيال تسلّم أجيال باقون”.

وأشار جعجع إلى أنهم “ما لم يأخذوه من الأشرفية بالحرب، لن يأخذه أحد بالإرهاب والتّفجيرات الإجراميّة”، وقال: “تحيّة الى أهلنا في الأشرفيه وكلّ بيروت،أهلنا الصبورون الصامدون، الذين فقدوا اعزّاء احبّاء،وتضرّرت حياتهم ومنازلهم، وأصيبوا بجروح عميقة لا تلتئم، وعصفت بهم رياح غضب وثورة لا تستكين.أهلنا بإيمانهم الذي لا يتزعزع، بإرادتهم التي لا تضعف،يواجهون هذه الكارثة ويلملمون جراحهم، وسيعيدون إلى بيروت فرحها وألقها.الأشرفية ستنفض عنها عاجلا لا آجلا غبار الموت،وسيكون لها مع الفرح والحريّة والحياة لقاء قريب وأكيد”، معتبراً أن “انفجار بيروت، انفجار آثم غادر،ألحق بالمدينة دمارا هائلا ومئات الشّهداء، وآلاف الجرحى، وأضرارا ماديّة ومعنويّة كبيرة.وما نجم عنه في لحظات، يفوق بدرجات ودرجات ما نجم عن الحرب في سنوات وسنوات.هذه الجريمة بحقّ الإنسانيّة ، سواء كانت حادثا ناجما عن إهمال، أم عملا مدبّرا وجريمة منظّمة، أم اعتداء خارجيّا، لن تمرّ من دون عقاب”، مؤكدا ألا “يعتقدنّ أحد أنّ بإمكانه لفلفة هذا الموضوع. هذا الانفجار أكبر من أيّ فريق أو مسؤول أو حزب، أكبر من الجميع، ولن يكون بالإمكان الإفلات من العدالة. ولأنّنا لا نثق بالسّلطة القائمة، فإنّنا نطالب بتحقيق دوليّ شفّاف وموثوق، ولقد نظّمنا عرائض نيابيّة وشعبيّة لهذا الغرض، و نواجه أزمة وجوديّة كيانيّة. أزمة لا تشبه أيّا من الأزمات التي مررنا بها منذ العام 1975. أزمة حاصرت شعبا بكامله، كادت تدمّر أحلامه وطموحاته، حاضره ومستقبله، وأفقدته الثّقة بدولته وحكّامه وكادتأن تفقده ثقته بنفسه. ولكن لا والف لا، لأنّ من واجه عبر التّاريخ الممالك والإمبراطوريّات والسّلطنات وصولا لمواجهة أعتى الدّكتاتوريّات والأنظمة في أيّامنا الحاضرة وأخرجها من لبنان، لن تقوى عليه شلّة من الخارجين عن القانون والفاسدين وأكلة الجبنة المهترئين”، موضحاً ان “هذه الأزمة الممتدّة في كلّ اتّجاه ومجال، تعود في جوهرها إلى عاملين أساسيّين:أوّلا: ألتّعدّي الحاصل على الدّولة، ودستورها وسيادتها وسلطتها ومؤسّساتها وقرارها من دويلة نمت في كنفها وعلى حسابها، ممّا أدّى إلى شللها. لا تغيير يرتجى ، ولا إصلاحات فعليّة ولا انتخابات نافعة إذا لم يتمّ تحرير قرار الدّولة وسلطتها، وإذا لم يصبح سلاح الدّولة هوالسّلاح الوحيد. لا معادلات ثلاثيّة تجاوزتها الأحداث ومرّ عليها الزّمن، ولا لتكريس أوضاع شاذّة تحت مسمّى الضّرورة والمؤقّت، أو تحت حجّة الدّفاع عن لبنان. فالدّولة اللّبنانيّة الفعليّة وجيشها، ومن ورائهم الشّعب اللّبنانيّ ، هم المدافعون الحقيقيّون والوحيدون عن لبنان. وثانيا: الفساد المستشري في الدّولة والمجتمع، والذي ينخر جسم الإدارات والمؤسّسات حتّى العظم، وفاق كلّ تصوّر في السّنوات الأربعة الأخيرة. هذه الآفة يجب استئصالها ومكافحتها من دون هوادة، ولا يكون استئصالها إلاّ باستئصال شياطينها. وإذا أردنا الذّهاب اعمق في الموضوع، هنالك كلمة سحريّة تختصرأسباب كلّ ما وصلنا إليه:” تفاهم مار مخايل” الذي طبعا مار مخايل براء منه تماما، أمّا التّفاهم بحدّ ذاته فصفقة بين حزبين على تأمين مصالحهما الحزبيّة الضّيّقة على حساب لبنان الوطن، لبنان الدّولة، لبنان السّيادة، وعلى حساب اللّبنانيين كشعب وتاريخ ومستقبل”، لافتاً إلى أنه “للدلالة فقط هذه جردة مختصرة لنتائج “تفاهم مار مخايل، فبدلا من أن يدخل حزب الله في كنف الدّولة، دخلت الدّولة أكثر فأكثر في كنف حزب الله، ودمّرتم كلّ فرصة لقيام دولة فعليّة في لبنان، وازدادت العلاقات بين المجموعات اللّبنانيّة تشنّجا، حتّى بين قواعد قوى ” تفاهم مار مخايل” بالذات، ولم يعد أيّ مبعد من إسرائيل كما كان الوعد، لا بل وصل الأمرإلى حدّ اتّهام بطريرك الجمهوريّة، بطريرك تاريخ لبنان، بطريرك الموارنة، بالعمالة لإسرائيل، ولم يخرج أيّ معتقل من سوريا، ووقع لبنان في عزلة عربيّة ودوليّة غير مسبوقة، وإنهارت القيم والمقاييس والقوانين داخل الدّولة بالذّات إلى أبعد الحدود، ممّا حوّلها إلى مزرعة صغيرة فاقدة الثّقة والمشروعيّة، إلى حدّ أنّ جميع المسؤولين العرب والأجانب أعلنوا جهارا أنّهم لن يقدّموا أيّ مساعدات إنسانيّة من خلال الدّولة وإداراتها بل من خلال الجمعيّات الأهليّة فقط. من جهة أخرى أدّى تحويل الدّولة إلى مزرعة صغيرة إلى انهيارالنّظام الماليّ وتعطّل الاقتصاد بشكل شبه كلّيّ،وانهيار فرص العمل، ممّا حول اللّبنانييّن لأوّل مرّة في تاريخهم إلى شعب ينتظر المساعدات الغذائيّة والاستشفائيّة وغيرها، وممّا حوّل لبنان إلى سجن كبير للّبنانييّن”.
وشدد جعجع على ان “كل ما سبق، دفع بالقادر من اللّبنانييّن إلى الهجرة، ومن تبقّى منهم هنا إلى الحسرة. ولكن لا وألف ألف لا- لم نتعوّد لا الحسرة ولا البكاء على الأطلال، بل ثورة بيضاء ناصعة، لكنّها قاطعة، تخلّص اللّبنانييّن من هذا الكابوس الجهنّميّ اللّعين، وتوصلهم إلى شاطئ الأمان. إذا الشّعب يوما أراد الحياة، فلا بدّ أن يستجيب القدر، وسيستجيب”، متوجهاً إلى حزب الله بالقول “بكلّ وضوح ومسؤوليّة أقول له: الى أين تريد بعد أن يصل الوضع في لبنان؟ هل هناك بعد اسوأ مّمّا نعيشه؟هل تنتظر مجاعة كاملة؟هل تنتظر أن يموت اللبنانيّون كبارا وصغارا إمّا جوعا أو مرضا أو احتراقا وخنقا وسحلا في انفجارات غامضة؟”، مشيرا إلى أنه “حان أوان الاعتراف بالواقع والوقائع، وإجراء مراجعة للسّياسات والخيارات. حان وقت العودة إلى لبنان بالمعنى العريض للكلمة،لا يمكننا أن نستمرّ في ظلّ أوضاع مماثلة، ولا يمكن لحزب اللهأن يستمرّ من دون أن يغيّر في توجّهاته وسلوكه، ومن دون أن ينظّم علاقاته مع الدّولة كأيّ حزب سياسيّ آخر، وينخرط في مشروع إعادة بنائها، وعلى حزب الله أن يسلم قرار الحرب والسّلم للدّولة. وعلى حزب اللهأن يكف عن تدخّلاته الخارجيّة السّافرة غير المبرّرة في شؤون وشجون أكثر من دولة عربيّة، وأن يكفّ عن لعب دور رأس الحربة للمشروع الإيرانيّ المتمدّد والمتوغّل في المنطقة العربيّة، ولحزب الله آن الأوان كي تبادر إلى القرار الصّعب ولكن الصائب، بأن تضع نفسك في خدمة لبنان وشعبه وأمنه ومصالحه بدل أن تبقى في خدمة الجمهوريّة الإسلاميّة ومصالحها، على حساب شعب لبنان وأمنه واستقراره ولقمة عيشه وحاضره ومستقبله”، موضحاً أنه “لم يعد من مجال للمماطلة والتّسويف والتّأجيل. دقّت ساعة الحقيقة، وحان أوان القرارات الصّعبة والجريئة. الرؤوس الفاسدة المجرمة يجب أن تسقط وستسقط، الأيادي الفاسدة الفاسقة يجب أن ترفع عن الشّعب على يد الشّعب الذي انتفض غضبا وسخطا واحتجاجا، ولن يوقف انتفاضته قبل أن تحقق أهدافها، وقبل أن يحدث التّغيير في الأشخاص والوجوه والذّهنيّات والممارسات”، مؤكداً أن “نقطة البداية في التّغيير ستكون في مجلس النّواب، وعلى اللّبنانييّن جميعا تقع مهمّة ومسؤوليّة إحداث هذا التّغيير عبر صناديق الاقتراع، وعدم إضاعة فرصة أخيرة متاحة لهم بعد شهور طالت أم قصرت لاختيار من يمثّلهم، ويكون الأجدر والأكفأ والأنظف والأجرأ والأشرف.لا سبيل إلى محاربة الفساد على يد من كانوا سببا وصنّاعا له. الأمر يتطلّب إعادة إنتاج سلطة جديدة، واستحداث نخبة سياسيّة جديدة،وتحويل الانتخابات المقبلة إلى ساحة اختبار للنّوايا والإرادات، وإلى منصّة للتّغيير، والمحاسبة والمساءلة”.
وأعلن جعجع أن “انتفاضة 17 تشرين غيّرت في مسار الأحداث والذّهنيّات، لكنّها لن تؤتي ثمارها في الشّارع فقط، وستجنح إلى الفوضى والمراوحة والاستنزاف الذاتيّ، إذا لم تكن لها خارطة طريق واضحة توصلها إلى تحقيق أهدافها.هذه الانتفاضة كي تحقّق أهدافها، يجب أن تنتقل إلى صناديق الاقتراع، وعلى أرض الانتخابات، فتنبثق عنها أكثريّة نيابيّة جديدة معبّرة عن طموحات اللّبنانيين. والانتخابات المبكرة من الطّبيعيّ أن تجري على أساس القانون الحاليّ النّافذ الذي تطلّب الكثير من الوقت والجهد. إنّ الدّاعين إلى قانون جديد للانتخابات، حتّى ولو صدرت الدّعوة عن حسن نيّة، يخدمون الذين لا يريدون الانتخابات أن تجرى، ولا للأكثريّة النّيابيّة أن تتغيّر، وبقدر ما ننبّه إلى محاولات مشبوهة جارية لعدم إجراء الانتخابات لا قبل موعدها ولا في موعدها حتّى، فإنّنا نحذّر من أيّ محاولة لتمرير قانون انتخابات لا يراعي خصوصيّة التّركيبة التّعدّديّة للبنان، ويهدف إلى الإطاحة بخصائصه وتوازناته وتركيبته المجتمعيّة والوصول تحت ستار إلغاء الطائفيّة السّياسيّة إلى تطبيق الديمقراطيّة العدديّة، وفي هذا موت أكيد للبنان، وبعد الانتخابات النيابية المبكرة، سنكون أمام برلمان جديد وحكومة جديدة، وسلطة جديدة.وعندما تدقّ ساعة الاستحقاق الرئاسيّ ستكون لنا فيه كلمة وقرار وموقف ، ولن نقبل بأن يكون هذاالاستحقاق خاضعا لمساومات وصفقات ووسيلة لضرب الإرادة الشعبيّة الجامحة التّائقة للتّغيير، وطالما تطرّقنا إلى ” تفاهم مار مخايل” المشؤوم، سنتكلّم قليلا عن اتفاق معراب المطعون.إنّ اتفاق معراب، وبخلاف ما يظنه أو يدّعيه البعض، هو في منطلقاته الأوّليّة مصالحة وجدانيّة تاريخيّة أخلاقيّة، تطوي صفحة صراع مجتمعيّ مديد، بدأ منذ تولّي العماد ميشال عون مقاليد الحكومة العسكريّة اواخر العام 1988، وطال بمآسيه وشظاياه وآثاره السّلبيّة كلّ قرية وحيّ وبيت من بيوت مجتمعنا. أضيف إلى ذلك الفراغ الرئاسيّ المتمادي والذي فرض نفسه على كلّ اللبنانييّن ممّا شكل سببا إضافيّا جوهريّا لقيام تفاهم ينهي الفراغ الرّئاسيّ بالإضافة إلى إنهائه الصّراع المجتمعيّ المديد، ويفتح حقبة جديدة.ومع ذلك أصررنا على أن يكون هناك شقّ سياسيّ متزامن مع المصالحة، وهو ما عبر عن نفسه أصدق تعبير من خلال بنود ورقة النّقاط العشر التي تعنى بقيام الدّولة السّيّدة القويّة العادلة كما في التّشديد على مبدأ النّزاهة والكفاءة في إدارات الدّولة ومؤسّساتها، وأفتح هلالين صغيرين هنا لأقول:إنّ بعض الذين ينتقدون القوات ويتهجّمون عليها انطلاقا من اتّفاق معراب كانوا هم أنفسهم من هاجمنا وانتقدنا بسبب عدم التّصالح مع التّيّار الوطنيّ الحرّ قبلا، وهم أنفسهم من نادوا أنّ المصالحة بين القوات والتيّار هي مطلب عارم ، على المستويات الشّعبيّة والسّياسيّة والدّينيّة كافّة. إنّ هذا البعض سيستمرّ في التّهجّم على القوّات حتّى ولو أضاءت أصابعها العشرة، لسبب بسيط جدّا وهو أنّ هدفه هو مهاجمة القوات لأنّها القوات وليس لأنّها عقدت اتّفاق معراب أم لم تعقده، ولأنّ نفسه ظلماء. كلّ العداوات قد ترجى مودّتها إلا عداوة من عاداك من حسد”، مبيناً أننا “أردنا من اتّفاق معراب بالإضافة إلى كونه مصالحة وجدانيّة أن يكون منطلقا لشراكة مسيحيّة إسلاميّة حقّة في السّلطة، وبالتّالي خطوة أوّليّة على طريق بناء دولة فعليّة ولكن، وللأسف، مكرّرة عشرات المرّات، تبيّن لاحقا أنّ القوى الاخرى أرادته مجرّد مصلحة سياسيّة آنيّة بحتة، وبعكس كلّ ما ورد في اتّفاق معراب.أردناه لبناء دولة المؤسّسات، وغيرنا أستعمله لبسط سلطة الميليشيات.أردناه لنرضي به طموح العماد ميشال عون الرئاسيّ منذ العام 1988،ونسدل السّتارة على هذه القّصّة لمرّة واحدة وأخيرة لنبدأ بعدها فصلا جديدا، وهم أرادوه ليعيدونا إلى العرض المسرحيّ ذاته من جديد ، فيوقفوا الزّمن والمستقبل والسّياسة والاقتصاد والحياة الوطنيّة برمّتها، ويرهنوها بانتظار تحقيق الطّموح الرّئاسيّ لمن هو بعد عون. وكأنّ مستقبل اللّبنانيين ولقمة عيشهم وحياتهم مسخّرة خدمة لمآرب وطموحات هؤلاء. فلا يلبث أن يصل العمّ إلى الرّئاسة حتّى يسارع الصّهر إلى تمشيط ذقنه وتعريض كتفيه ولو على حساب اللّبنانيين ومدّخراتهم وأعمالهم وحاضرهم ومستقبل أولادهم، ولو على حساب حياتهم، ولقد كان من المفترض باتفاق معراب أن يكون نقطة ارتكاز أساسيّة للعهد الرّئاسيّ الجديد وفق قواعد إصلاحيّة ووطنيّة واضحة، غير أنّ القيّمين على العهد سارعوا للتّخلّص من هذا الاتّفاق منذ اللّحظة الأولى، ظنّا منهم أنّهم بذلك يتحرّرون من أعباء الإصلاح ويتخلّصون من مشقّة التغيير، ويزيحون منافسا لهم، ولكن من دون أن يدروا أنّهم يحرمون بذلك أنفسهم من رافعة سياسيّة وشعبيّة وإصلاحيّة كان من الممكن لها إنقاذ العهد وتجنب وصول البلاد لاحقا إلى ما وصلت إليه، وقبل أن تكون هناك ثورة 17 تشرين، وقبل ان تكون هناك ثورة أرز، كان هناك منذ العام 1975 ثورة على الاحتلال والتّوطين والّسلاح غير الشّرعيّ واستباحة سيادة الدّولة، ثورة على الفساد والتّقليد والتّوريث وطبقة ال 43، مرّة بالمقاومة المسلّحة، ومرّات ومرّات بسلاح الكلمة والموقف والمثل الصّالح. وهذه الثّورة كان عنوانها بشير الجميل. نحن ابناء الثّورة واحفادها، نحن إخوتها وأخواتها، ولدنا من رحم أحزان الوطن والشّعب، ولن نهدأ حتّى يزهر من تحت الرّماد لبنان الجديد. لو قدر فقط لثوّارنا الشّهداء المدوّنة اسماؤهم في هذا الاحتفال، ألعودة للحياة من جديد والانضمام للحراك، لأقفلوا وحدهم كلّ الطّرقات، واحتلوا كلّ السّاحات، وفاقوا كلّ الأعداد. لا نقبل بأن يزايد أحد علينا لا بالوطنيّة ولا بالنّزاهة ولا بالاستقامة ولا بالثّورة.منذ العام 1975ونحن ثورة على لبنان المزرعة، ولبنان الفساد، ولبنان الارتهان، ولبنان السلاح غير الشرعي. لقد دفعنا من عرقنا ودمائنا ومستقبلنا وحرّيّتنا ثمن تمرّدنا على الظّلم، ولم تقدّم لنا الثّورة لا على طبق من فضّة، ولا بملعقة من ذهب.نحن حجر الزاوية والحاضنة التاريخية الطّبيعيّة لكلّ ثورة وحراك لبنانيّ ينتفض ويناضل ويكافح لتحقيق المثل والشّعارات والقيم التي قامت عليها ثورتنا قبل عقود وعقود وكنا السباقين في حمل لوائها وإضاءة مشعله، ونحن الثورة اللّبنانيّة الأولى على الظّاهرة الشّعبويّة عندما كان الكثيرون يطبّلون ويزمّرون لها قبل أن يثوروا عليها بعد 30 عاما في 17 تشرين، نحن الثورة السّياديّة الأولى على الاحتلال السّوريّ عندما كان الكثيرون يتجنّبونه أو يتزلّفون له او يتعاونون معه. ونحن الثّورة الدّستوريّة الكبرى داخل مجلس النّواب ومجلس الوزراء على الفساد الإداريّ وصفقات الكهرباء والاتّصالات والعشوائيّة في التّوظيفات”.
وشدد على أنه “لا ليس كلّ من عمل بالسّياسة مثله مثل الآخرين، وفي هذا الإطار:لا ليس كلّن يعني كلّن، لأنّه من حيث المبدأ لا تزر وازرة وزر أخرى، ومن حيث التطبيق وكما يقول القول الإنكليزيّ الشائع : “بالتّعميم تصبح أحمقا”. ونحن لا نريد لبعض الحراك أن يبدو أحمقا وأن يضعف المعركة مع أرانب السّياسة بمناوراتها وبهلوانيّاتها.الفاسدون في لبنان معروفون، والنّزيهون في لبنان معروفون أيضا، فلا تضيّعوا البوصلة بالتّعميم حتّى لا تضلّوا نقطة الوصول وتصبحوا خطّ دفاع عن الفاسدين والمرتشين والمجرمين الحقيقيين، ولو عن غير قصد. إذا كان المقصود بشعار كلّن يعني كلّن كلّ الفاسدين وكلّ المرتشين وكلّ المرتكبين أينما كانوا فنحن معه، أمّا إذا كان المقصود به كلّ الناس وكلّ السّياسييّن وكل الشّخصيّات وكل الحزبيين وكلّ شيء، فيكون شعارا عدميّا عبثيّا ظالما، غير دقيق ومزغولا، يمزج السمّ بالدّسم ويخلط القمح بالزّؤان. ان اسلوب التّعميم الاعمى يجهّل المرتكب الحقيقيّ ويخفي هويّته. طالما القوات اللبنانيّة هنا، البوصلة لن تخطئ، وسيكون الصّالحون في صميم مستقبل لبنان، وسيذهب الطّالحون إلى بئس المصير وغياهب النّسيان. نحن حزب يضمّ عشرات آلاف الثّوار والمناضلين والشّهداء والأبطال الذين ضحّوا بكلّ شيء في سبيل قضيّة مقدّسة، ولا نرضى بأن يتمّ تشويه تضحياتهم وتقزيمها لغاية في نفس بعض المعقدين العدميين العبثيين السّطحيين الفارغين. فتحيّة الى شهدائنا وابطالنا ومناضلينا، وتحيّة إلى كلّ الثّوار الحقيقيين. أما بالنسبة لموضوع المطالبة بالدولة المدنيّة، فقال جعجع: “كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن الدّولة المدنيّة، بالوقت الذي نعيش أصلا في دولة مدنيّة، ما عدا الأحوال الشّخصيّة وتوزيع مراكز الدولة على المجموعات اللّبنانيّة تبعا لما ورد في اتّفاق الطائف. في ما يتعلق بالأحوال الشخصية، فلقد طرح الموضوع مرّات ومرّات، وتبيّن أنّ أكثريّة من الشّعب اللّبنانيّ، من خلال تمثيلها النّيابيّ، تفضّل أن تبقى أحوالها الشّخصيّة مرتبطة بمعتقداتها الدينيّة. لقد وجدنا صعوبة هائلة لمجرد تمرير قانون في مجلس النّوّاب لتجريم العنف ضدّ المرأة، فكيف بالحريّ ستكون ردّة الفعل إذا طرح تحويل الأحوال الشّخصيّة كلها إلى مدنيّة، وعن أيّ دولة مدنيّة يتحدّثون؟ وفي مطلق الأحوال، نحن منفتحون على أيّ نقاش وحوار يلبّي تطلّعات الرّأي العام اللّبنانيّ.أمّا في ما يتعلّق بتوزيع مراكز الدّولة على المجموعات اللّبنانيّة، فلا علاقة له بمدنيّة الدّولة أو عدمها، بل له علاقة بتركيبة لبنان التّعدّديّة. في سويسرا مثلا، الدولة مدنيّة كلّيا، وعلى الرّغم من ذلك، هناك توزيع للسّلطات على المجموعات السّويسريّة وفقا لترتيب معيّن، هو جغرافيّ في الحالة السويسريّة، وفي هذه المناسبة، أريد أن أقول للبعض الذي يطرح حينا عقدا اجتماعيّا جديدا، وأحيانا مؤتمرا تأسيسيّا، أنّنا جاهزون وجاهزون دائما، ولكن ليس كما تشتهيه رغباتهم. إذا أرادوا مؤتمرا تأسيسيّا جديدا، فأهلا وسهلا ولكن فليعلموا أنّ محوره الأساسيّ سيكون اللّامركزيّة الموسّعة.أمّا قول البعض الآخر أنّنا يجب أن نكمل بتطبيق اتفاق الطائف، فجوابنا أنّنا يجب ان نبدأ بتطبيق الطائف قبل الوصول الى إكماله، وهاكم ما جاء في البند الأوّل من خارطة الطّريق التي وضعها اتّفاق الطائف: 1- الإعلان عن حلّ جميع الميليشيات اللّبنانيّة وغير اللّبنانيّة، وتسليم أسلحتها الى الدولة اللّبنانيّة خلال ستّة أشهر تبدأ بعد التّصديق على وثيقة الوفاق الوطنيّ وانتخاب رئيس الجمهوريّة وتشكيل حكومة الوفاق الوطنيّ وإقرار الإصلاحات السّياسيّة بصورة دستوريّة. من يريد تطبيق اتفاق الطائف نحن مستعدّون، ولكن تبعا لمندرجات الطائف لا تبعا لاجتهاداته هو، أما بالنسبة لمسألة الحياد التي طرحها غبطة أبينا البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، فقد أكّد جعجع أن “بكركي بتحكي صح. لماذا؟ لأّن بكركي تحكي في المبادىء الوطنيّة والإنسانيّة الكبرى، وتحكي في المسلّمات والبديهيّات السّياديّة والدّستوريّة والميثاقيّة من دون أيّ مصالح أو غايات سياسيّة او انتخابيّة، ولأنّها دائما كانت صوت الحقّ والحقيقة والوجدان الوطنيّ، ولأنّها صانعة الكيان وذاكرة التاريخ اللّبناني.منذ البطريرك الأّول مار يوحنا مارون، مرورا بالبطريرك الياس الحويك والبطريرك عريضة ، وصولا إلى البطريرك الكبير مار نصرالله بطرس صفير، وعند كلّ مفترق خطر، بكركي بتحكي صح. واليوم كما في كلّ المرّات، تهبّ البطريركيّة المارونيّة، هذه المرّة، مع أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، تهبّ لتحكي كلمة الحقّ، بعد أن طوق الشّعب اللّبنانيّ بالأزمات من كلّ الجهات. وبالمناسبة، ندين ونستنكر أشدّ الاستنكار التّطاول على مقام سيّد بكركي واتّهامه باتّهامات ظالمة وجائرة مردودة سلفا لأصحابها، إتّهامات لا تنطبق أصلا إلاّ عليهم.فليعبّروا عن مواقفهم من كلّ القضايا كما يشاؤون، غير أنّ إطلاق الاتّهامات بالعمالة والتّواطىء بحقّ رموزنا ومرجعيّاتنا لمجرّد تعبيرها عن موقف وطنيّ يجسّد إرادة غالبيّة كبرى من اللّبنانيين،فهذا لا يمتّ إلى حريّة الرّأي بصلة، إنّما هو تزوير وتحريف وتحوير للتّاريخ بحدّ ذاته.أما طريق الإنقاذ كما حدّدها غبطته بشكل واضح فتقوم على فكّ أسر الدولة اللبنانيّة من جهة، وإعلان حياد لبنان من جهة ثانية.إنّ الدّولة اللّبنانيّة هي اليوم أسيرة التّحالف القائم بين منظومة السّلاح من جهة، ومنظومة الفساد من جهة ثانية.هذا التّحالف الجهنّميّ استنزف مقدّرات الدّولة الماليّة والاقتصاديّة والبشريّة، واستباح سيادتها، وشرّع حدودها. إنّ فكّ أسر الدّولة اللّبنانيّة يبدأ بكفّ يد هذه الزّمرة عن سلطة القرار في لبنان ، حتّى تستعاد تبعا لذلك الثّقة العربيّة والدّوليّة فيه وتستعيد الدّورة الاقتصاديّة انتعاشها، واما حياد لبنان فهو أحد المبادىء التّأسيسيّة للدّولة كما نصّ على ذلك الميثاق الوطنيّ. إنّ حياد لبنان المطلوب ليس حيادا بين الحقّ والباطل كما حاول البعض توصيفه، ولا يعني حيادا تجاه القضايا العربيّة المحقّة وفي مقدّمها القضيّة الفلسطينيّة ، ولا حيادا تجاه القضايا الإنسانيّة الكبرى، ولا حيادا تجاه أيّ خطر يتهدّد لبنان وأمنه وسلامته، إنّما هو حياد تجاه سياسة المحاور، وحياد لناحية تدخّل بعض الأطراف الدّاخليّة عسكريّا وأمنيّا في حروب المنطقة وصراعاتها وصراعات شعوبها الدّاخليّة، وهو ما أدّى ويؤدّي اليوم إلى هذا الواقع الاقتصاديّ والاجتماعيّ والسّياسيّ القاتم والمرير”، متوجهاً للبطريرك الراعي بالقول: “غبطة أبينا الكاردينال الراعي، ليأخذ الله بيدكم كما أخذ بيد أسلافكم حتّى تتقدّموا مسيرة تحرير الدّولة وفكّ أسرها من المغتصبين وتجّار الهيكل في لبنان، وإعادة إرساء أسس الكيان اللّبنانيّ على قاعدة الحياد، للوصول به إلى برّ السّيادة والدّولة الفعلية”.، وبالنسبة لحكم المحكمة الدوليّة، أوضح انه “بصرف النّظر عن الآراء المتعدّدة تجاه الحكم الذي أصدرته المحكمة الدوليّة الخاصّة بلبنان اخيرا، غير أنّ الكلّ مجمعون بالحدّ الأدنى أنّ هناك شخصا ادين بجريمة كبرى بهذا الحجم، إسمه سليم عياش.إنّ من أبسط واجبات السّلطة اللّبنانيّة في هذه الحالة هو إلقاء القبض على هذا الشّخص وتسليمه الى المحكمة الدّوليّة.في هذه المناسبة، تحيّة الى روح الشّهيد رفيق الحريري، تحية الى أرواح شهداء ثورة الأرز واحدا واحدا. وليتذكّر الجميع أنّ “يوم العدل على الظالم اشدّ من يوم الجور على المظلوم”. وفي النّهاية لن يصحّ إلّا الصّحيح”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى