المصارف ترفض “الكابيتال كونترول” لأنه يُلزمها دفع 800 دولار للمودع شهرياً!
رنى سعرتي –
أكثر من 4 أعوام وقانون الكابيتال كونترول محطّ أخذ وردّ ونزاع بين السلطة والمصرفيين والمشرّعين الذين لم يتمكّنوا لغاية اليوم من التوافق على صيغة ترضي الجميع، أو بالاحرى يتنازلوا عن جزء من مصالحهم لصالح المودعين. ورغم ان الهدف الرئيس للقانون (وقف التحويلات المالية الى الخارج وتحديد مبلغ للسحوبات النقدية) انجلى مع التطبيق غير الرسمي لضوابط مالية عمّمها مصرف لبنان والمصارف، إلا ان اقرار هكذا قانون ما زال مطلباً وضرورة للمرحلة المقبلة في حال وُجدت النيّة الحقيقية للاصلاح واعادة هيكلة القطاع المصرفي والحفاظ على ما تبقى من اموال المودعين.ad
قبل نهاية العام الماضي، كان اقتراح القانون مطروحاً على جلسة مجلس النواب، لكنّه لم يقرّ واعاده رئيس المجلس الى اللجان النيابية لتعديله وضمّه الى سلة متكاملة من القوانين الاصلاحية وطرحها بعد شهرين. إلا ان الرفض الابرز لاقتراح القانون مرتبط بالمادة السادسة التي أوصت اللجان بتعديلها لتنصّ على تسديد مبلغ لا يقلّ عن 800 دولار شهرياً للمودعين أصحاب الحسابات القائمة قبل 17 تشرين 2019. وهو الامر الذي تعارضه المصارف بشدّة لانها على حدّ تعبيرها، تفتقر للسيولة المطلوبة لتأمين المبالغ . علماً ان المصارف التزمت منذ حزيران 2021 تسديد 400 دولار ( 200 منها من مصرف لبنان) شهرياً للمستفيدين من التعميم 158 والذين بلغ عددهم 181 الف مودع، لا يزال 93 الف مودع منهم يستفيدون حالياً من مفاعيل التعميم. وبالتالي فان الكلفة مقدّرة بحوالى 111 مليون دولار (مع الاشارة الى ان مصرف لبنان يؤمّن للمصارف في المقابل المبلغ نفسه لتطبيق مفاعيل التعميم). وإذا ما قررت المصارف الالتزام بالتعميم 682 وضمّ شريحة اضافية للمستفيدين من التعميم 158 فان الكلفة سترتفع الى 222 مليون دولار (إذا فرضنا ان عدد المؤهلين الجدد سيبلغ حوالى 87 الف مودع).
لكنّ المصارف أعلنت انها عاجزة عن تأمين هذه الكلفة التي تُعتبر زهيدة نسبة لما حققته من ارباح وعمولات طوال السنوات الماضية، وترفض تطبيق التعميم 682 وتوسيع شريحة المستفيدين من سحب 300 دولار شهريا بسبب عجزها المالي وافتقارها للسيولة النقدية، وبالتالي، كيف لها الموافقة على قانون الكابيتال كونترول بصيغته الحالية وتسديد مبلغ 800 دولار شهرياً للمودعين؟
ضاهر: حالة رعب بين المصارف
«بالكاد تستطيع المصارف اليوم تأمين كلفة تطبيق التعميم 158»، وفقا للمحامي كريم ضاهر في بيروت الذي اوضح ان المصارف تمتنع عن توسيع شريحة المستفيدين من التعميم لانها لا تملك السيولة اللازمة لتمويل مفاعيله، موضحاً ان رفض المصارف لاقتراح قانون الكابيتال كونترول ينبع تحديداً من مخاوفها من عدم امكانيتها تأمين الحدّ الادنى المطلوب لسحوبات المودعين والمحدد بـ800 دولار شهرياً، وهو الامر الذي يعرّضها في حال تخلّفها عن تأمينه، الى اعتبارها بحالة عدم ملاءة وتوقف عن السداد. مما يخضعها مباشرة الى احكام أحد القانونين 110/91 (وضع اليد) او 2/67 (التوقف عن السداد) في حال عدم اقرار قانون اعادة هيكلة المصارف. «وما يثير رعب المصارف في الحالتين، ان القانونين يفرضان الحجز على اموال رؤساء واعضاء مجالس الادارة والمدراء التنفيذيين ومفوضي المراقبة، ورفع السرية المصرفية وتغيير ادارة المصرف بالكامل»، وفقا لضاهر.
عدد قليل قادر
واعتبر ضاهر ان عدداً بسيطاً جدّاً من المصارف قد يستطيع تأمين مبلغ الحدّ الادنى المطلوب لسحوبات المودعين الشهرية من رساميلها الخاصة او من اعادة الرسملة المستعدة للقيام بها، في حين ان اكثرية المصارف الاخرى عاجزة عن تأمين المبالغ المطلوبة لرفع قيمة سحوبات المودعين.
ورأى ان كلّ ما تقوم به المصارف من طلب ربط نزاع ورفض القوانين المطروحة هو لتأخير هذا الاستحقاق الذي يحتّم عليها الالتزام باحكام القوانين، إما القائمة او قانون اعادة الهيكلة الذي يدرس حالياً. مشيراً الى ان استمرارها بهذا التعطيل يتيح لمصرف لبنان عند تخلّفها عن السداد وعدم الالتزام بالقوانين والقرارات، التدخل وتغيير الادارة وتعيين مدير مؤقت…
افيوني: يخشون افتضاح أمرهم
من جهته، اعتبر الوزير السابق عادل أفيوني ان المشكلة الاولى هي ان المصارف لا تزال حتى اليوم تمتنع عن تقديم ميزانيات شفافة وصادقة، سائلاً: هل يعقل بعد اربع سنوات من الازمة اننا لا نزال نجهل وضع المصارف المالي الحقيقي وما تبقى من ميزانياتها وقيمة اصولها الفعلية ومستوى السيولة لديها؟ وهل يعقل انها لا تزال تستخدم سعر صرف اصطناعي لتغطية الخسائر ونكران الواقع وتضليل السوق وتصدر ميزانيات لا تمتّ الى الواقع بصلة؟
لذلك رأى أفيوني ان معارضة المصارف لقانون الكابيتال كونترول وتحديداً لالزامها تسديد مبلغ 800 دولار شهرياً للمودعين، سببها ببساطة ان بعض المصارف عاجزة عن تأمين مثل هذه المبالغ ولا تملك السيولة اللازمة لتسديدها، وهي اذاً تخشى ان يؤدي هذا القانون الى فضحها وفضح وضعها المالي الفعلي. وتضغط بالتالي لتعطيل اقرار القانون او تأجيله لكسب المزيد من الوقت والاستمرار في نهج التضليل والنكران.
تغليب المصالح الخاصة
أما المشكلة الثانية وفقاً له، هي «اننا في نظام يستمر بالرغم من الانهيار الحاصل، في تغليب المصالح الخاصة بسبب أنانية بعض النخب الحاكمة على المصلحة العامة والمنطق المالي والعدالة الاجتماعية». مؤكداً انه السبب نفسه الذي أدّى الى تعطيل وتأجيل اقرار قانون الكابيتال كونترول حتى اليوم وتأجيل وتعطيل اقرار كل القوانين الاصلاحية الضرورية الاخرى.
اضاف: من المعلوم ان هذا القانون كان يجب ان يتم اقراره في الاسابيع الاولى على اندلاع الازمة في 2019 لان هذا ما يحصل عادة في الدول التي تواجه ازمات مصرفية من هذا النوع ،على عكس لبنان حيث للاسف بعد اربع سنوات واكثر لا يزال القانون قابعاً في كواليس اللجان النيابية ويواجه معارضة وتسويفاً وتعطيلاً من المصارف ومن يمثلّها ويحميها.
يحمون بعضهم
واشار أفيوني الى المشكلة الثالثة وهي تضامن المصارف مع بعضها لحماية اعضائها الاكثر ضعفاً وتطرّفاً مهما كان حجمهم، معتبرا انها لا تزال تدعم وتؤيّد المواقف الاكثر أنانية وتعنّتاً بدل ان تغلّب لغة المنطق المالي والواقعية والعدالة وان تعترف بمسؤولياتها وتتحمّل حصّتها من الخسائر والمحاسبة، وان تعطي الاولوية لحماية المودعين كما هو مفترض وليس لتغطية اصحاب المصارف واداراتها على حساب المودعين.
وختم أفيوني قائلاً: بعد اكثر من اربع سنوات على اندلاع الازمة وعلى توقف المصارف عن تسديد الودائع، لا تزال ازمة الودائع من دون حلّ لا بل هي تتفاقم مع تفاقم الخسائر، في حين لا تزال السلطة عاجزة عن اقرار اي قانون اصلاحي لمعالجة هذه الكارثة الاقتصادية والاجتماعية.
هذه وصمة عار على كلّ من عطّل وأجّل الاصلاحات ووصمة عار على سمعة القطاع المصرفي اللبناني وعلى المسؤولين عن هذا القطاع!