اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

وزير التربية يحيي فرمانات “المكتب الثاني” لكمّ أفوام الأساتذة

يُشاع بين المدرّسين أن وزير التربية طارق المجذوب، هو وزير التعاميم، مثلما يشاع في دوائر أخرى أن حكومة حسان دياب هي حكومة المستشارين وتشكيل اللجان وتفريخها، في تصديها المزعوم لكل شاردة وواردة من الأزمات الكبرى في البلاد. 

عودة إلى 1959

ويتساءل المدرسون من أين لوزيرهم كل هذا الوقت الذي يهدره في صوغ التعاميم، وإنزالها عليهم ورشقهم بها يومياً تقريباً؟! وهو غالباً ما يصدرها لإرباكهم وإغراقهم في الحيرة.

وهم يتحدثون اليوم عن آخر إبداعات وزيرهم الذي نبش قانون الموظفين، ووضع على عينيه مجهراً ليبصر القانون رقم 112 العائد إلى العام 1959 – غداة الصدام الأهلي الدامي سنة 1958 – والذي يقيد حرية الهيئات التعليمية في التعبير، ويمنعهم من إبداء الرأي في الشؤون العامة، ومن الإضراب عن العمل مطالبين بحقوقهم. 



وأسوة بالوزير السابق أكرم شهيب – الذي نبش هذا القانون بعد إضراب أساتذة الجامعة اللبنانية لأكثر من خمسين يوماً العام الفائت، فلم يعره الأساتذة أي اعتبار، لأنه فرمان ميت لفرض الطاعة وكمّ الأفواه – ها هو الوزير طارق المجذوب ينكش هذا القانون ويطلب التشدد بالمادة 14 والبند الأول من المادة 15 من القانون. تلك التي يراد منها قمع الأساتذة ومنعهم من الاعتراض على تآكل رواتبهم بفعل ارتفاع سعر صرف الدولار وغلاء الأسعار. إذ بات راتب الأستاذ نحو 500 دولار، أو على أبعد تقدير نحو ألف دولار لأساتذة الجامعة. 

أيام المكتب الثاني
لم يحمل الأساتذة هذا التعميم على محمل الجد، لا بل أعلنوا وصرحوا وكتبوا ونشروا وملأوا فضاء التواصل الاجتماعي باعتراضاتهم على استعادة الفرمان الهمايوني الميت. وبات ذكرى من الأيام الخوالي وحكم “المكتب الثاني”، وما شابه من أجهزة قمعية، على ما كتب أكثر من أستاذ. 
كثرة من الأساتذة اعتبروا أن ما فرضوه في السنوات السابقة، منذ ما قبل الحرب الأهلية، وبعدها، جعل هذا القانون بحكم الميت. فالإضرابات والتظاهرات والتنظيم النقابي وكل التحركات المطلبية، والمجاهرة بالرأي ضد الحكومات والسياسيات ومعارك المطالبة بسلسلة الرتب والرواتب… أحالت القانون على التقاعد والدفن إلى غير رجعة. 
فالقانون مخالف للدستور الذي يضمن حرية الرأي، كما قال البعض. فبينما يصون الدستور حرية الرأي، يكبل هذا القانون الحرية ويمنعها عن موظفي القطاع العام، ويسلبهم حق الإضراب عن العمل عندما يلحقهم الضرر الناشئ عن تطبيق السياسات الحكومية. هذا فضلاً عن التباس المواد التي استعان بها الوزير، وتمنع عنهم إبداء الرأي والنشر أو التصريح العلني، وكشف المعلومات المتعلقة بالوظيفة العامة، وتشمل حرية الرأي والتعبير شتى شؤون الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

صرخة بلا جدوى
لذا قرأوا هذا التعميم كوسيلة لإخافتهم وردعهم عن توجيه الانتقادات للسياسات الحكومية، وخصوصاً تلك الصادرة عن وزارة التربية.  
هي ليست المرة الأولى التي تستيقظ فيها السلطة السياسية لنبش قوانين بائدة لكمّ الأفواه، ولو بلا طائل ولا من يستجيب لمثل التعاميم. فالعام الفائت أصدر رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري مذكرة إدارية دعا فيها الإدارات الحكومية والهيئات الرقابية إلى محاسبة الذين ينفذون الإضرابات في القطاع التربوي. وذلك بعدما نبش الوزير شهيب القانون وأصدر تعميماً صدر عنه ودعا فيه الموظفين إلى الالتزام بهذا القانون. ثم عاد واستدرك، بعدما انهالت عليه الانتقادات، فقال إنه قصد منع الموظف من النشر أو التصريح بمعلومات إدارية تتعلق بالوظيفة التي يشغلها الموظف العام، وليس لقمع حرية التعبير.  
لقد شلّ الإضراب الذي نفذه الأساتذة عمل الجامعة اللبنانية لنحو شهرين، ما حمل شهيب على الاستعانة بهذا القانون. أما اليوم فيأتي هذا التعميم الذي أصدره وزير التربية بعد تصاعد صرخة الأساتذة على تآكل رواتبهم، وعلى اعتاب موجة القمع التي بدأتها الحكومة الجديدة و”العهد القوي”، بكم أفواه الناشطين على وسائل التواصل الاجتماعي. لذا لم يجد وزير التربية إلا هذا القانون لإخضاع الأساتذة والموظفين في وزارة التربية. 
اختار الوزير معالجة صرخات القهر والجوع وانهيار القدرة الشرائية للأساتذة والموظفين بالقمع، ومنعهم حتى من الاعتراض على الظلم اللاحق بهم. لكن الأساتذة لم يأخذوا هذا التعميم على محمل الجد، مثل باقي التعاميم الذي أمطرهم الوزير بها خلال فترة التعليم عن بعد، واعتبروا أن الوزير يريد التخلص من الأصوات المزعجة وتأديب الأساتذة والموظفين. لكن هذا الزمن ولى إلى غير رجعة. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى