اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

بين تعظيم دور الصيارفة وأزمة الدولار في المصارف.. انسداد في افق الحل

هتاف دهام

سعى المعنيون أمس على خط الحكومة ومجلس النواب والقطاع المصرفي  إلى احداث صدمة ايجابية تؤدي الى خفض سعر الدولار ، مع تعهد مصرف لبنان تأمين الدولار من احتياطه لتلبية حاجة الصرافين ومن دون سقف، وتمّ التوصل الى اتفاق على ان يضخ البنك المركزي 30 مليون دولار، يمكن ان تخدم الصيارفة لمدة اسبوع، على اعتبار انّ حاجة الاستيراد تبلغ حوالى 6 ملايين دولار يومياً؛  بيد أن المتابعين على يقين أن الحل هو آني، فمقررات يوم امس لا تتعدى اعطاء المواطنين جرعات من “المورفين المالي” لا اكثر ولا اقل، من اجل تهدئة النفوس، فالحكومة لا تزال عاجزة عن ابتداع حلول جذرية شاملة بعيدة عن الاستنسابية.


في المبدأ، يختلف عالم الصيرفة في منظوره الإقتصادي عن عالم المصارف بحكم أن الصيرفة ليست أساسية في الاقتصادات بل هي نتاج برغماتي للجدوى الإقتصادية لعمل المصارف في الأسواق. الجدير ذكره أن الصيارفة هم عملاء (زبائن) للمصارف وبالتالي فإن دورهم هو دور وسيط (تاجر مفرّق).و لذلك  فإن حجم الصيرفة في العمليات النقدية بالإجمال هو حجم ضئيل نسبة للعمليات التي تقوم بها المصارف. إلا أن ما يشهده اليوم لبنان، كما يقول البروفيسور جاسم عجاقة ل “لبنان24”  من تعظيم لعمل الصيارفة هو نتاج توقّف المصارف عن تأدية بعض مهامها التي تقوم بها عادة مثل تأمين العملات الصعبة للزبائن.


وعليه، لا شك أن الثقة، بحسب عجاقة، هي عنصر أساسي لكل نشاط إقتصادي أو مالي حيث تُعتبر الركيزة لكل سلوك إقتصادي للاعبين الإقتصاديين سواء كانوا أُسرّ أو شركات. والمعروف أن الإئتمان هو أساسي في عمليتي الإستهلاك والإستثمار التي يقوم بها اللاعبون الإقتصاديون حيث أنهم يقومون بالإستدانة من قبل المصارف التي تنصّ مهامها على تمويل الإقتصاد بشقّيه الإستهلاك والإستثمار. من هذا المُنطلق، تعتبر الثقة عامل مهم جداً لأي عملية إئتمان مهما كان نوعها وهذه الثقة يجب أن تكون من  طرفي العملية الإئتمانية، أي ثقة المصارف بالمُقترض وثقة المُقترض بالمصرف وثقة الإثنين بالإقتصاد.والمعروف أيضًا أن الثقة مبنية على ستة أسس تُحدد الأمل بالمُستقبل الذي يدفع الطرفين إلى القيام بعملية الإئتمان. وهذه الأسسس هي: (1) ثبات أمني، (2) ثبات سياسي، (3) تداول للسلطة، (4) قوانين عصرية تُحاكي التطوّر بما فيها قوانين الموازنة، (5) قضاء مُستقلّ، و(6) محاربة الفساد. وأي خلل في هذه الأسس يؤثر سلبًا على الثقة وبالتالي على العملية الإقتصادية ككل.

ما حصل في لبنان في الآونة الأخيرة هو فقدان كامل للثقة بين أطراف اللعبة الإقتصادية: المواطن، المصارف والحكومة. وبالتالي يُمكن الجزم ، وفق عجاقة، أن الثقة أصبحت معدومة وانعدم معها النشاط الإقتصادي وعمليات الإئتمان التي تُعتبر في الإقتصاد الركيزة الأساسية لكل نمو إقتصادي. من هذا المُنطلق، تنصّ مهام الحكومة بالدرجة الأولى على إستعادة الثقة من خلال العمل على الأسس التي ترتكز عليها وهو ما لم يتمّ حتى الساعة.

وسط ما تقدم، سارع  عدد من الوزراء والنواب الى القول إن حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أخطأ عندما دفع نحو تسطيح سعر صرف الدولار. بيد أن وجهة  النظر الاقتصادية تقول ان الأمن الإجتماعي في كل دولة يرتكز على أسس  يفترض ان تبقى راسخة ولعل أهمها ثبات العملة الوطنية، وما نشهده اليوم من إرتفاع لسعر صرف الدولار مقابل الليرة وردّات فعل المواطنين في الشارع هو خير مثال على ذلك. فوفق  النظرية الإقتصادية، العملة تعكس قوة الإقتصاد، فكلما كان الإقتصاد قويا كانت العملة قوية والعكس بالعكس.

وفي ظّل اقتصاد مثل الإقتصاد اللبناني حيث عامل الثقة غائب بالكامل نتيجة عدم الثبات الأمني والسياسي وغياب تداول السلطة وغياب قوانين عصرية وغياب قضاء مُستقل وتفشّي الفساد،  فإن تحرير سعر صرف الليرة يعني هلاك المواطن اللبناني.

في الدول المُتطوّرة، صحيح أن العملات مُعوّمة، لكن في الدول التي لا ثقة فيها، العملة بحاجة إلى تثبيت (تسطيح للدولار في حالة لبنان). من هذا المُنطلق، لا بد من التأكيد، بحسب عجاقة، أن تثبيت سعر صرف الليرة أمّن للمواطن حياة كريمة؛ ولو قامت الحكومات المتعاقبة بوضع خطط اقتصادية بهدف جعل الإقتصاد اللبناني اقتصادًا قويًا مُنتجًا لما كان لبنان في عمق هذه الازمة المتشعبة مالياً اقتصادياً واجتماعياً.

وبالتالي فإن تحرير العملة في ظل فقدان الثقة بالإقتصاد، يزيد من الفقر من خلال فقدان القدرة الشرائية. والجدير ذكره أن 85% من استهلاك اللبنانيين من المواد الغذائية هو مُستوّرد وبالتالي كلما فقدت الليرة من قيمتها زاد الفقر!

وسط ما تقدم، فإن تعويم القطاح المصرفي  المطروح عند بعض القوى كحل، هو، بحسب عجاقة، عملية تنصّ على ضخّ أموال في رأسمال مصرف (أو مؤسسة مالية) يُعاني من مشاكل مالية ومشاكل سيولة وذلك لإعفاءه من كاهل الإفلاس الذي قد يكون له تداعيات سلبية على المودعين. لكن المُشكلة التي تواجه تعويم مصرف هي أن عددا قليلا من المُستثمرين مُستعد لضخّ أموال في مؤسسة تُعاني مشاكل مالية ومشاكل سيولة.

 من هذا المنطلق نرى في الأسواق عمليتين أساسيتين من التعويم، الأولى هي الـ Bail-In والثانية هي الـ Bail-Out. الـ Bail-In أو ما يُعرف بخطة الإنقاذ الداخلي هي عملية تنصّ على إلغاء قسم من ديون المصرف المُستحقة للدائنين و/أو المودعين مما يعني أنه يُحمّل المودعين و/أو الدائنين خسائر مالية. وعادة لا يُفرض الـ Bail-In على المودعين أو الدائنين بل هو خيار نابع من مبدأ أن هؤلاء يُفضّلون إبقاء المصرف بملاءة مقبولة حتى لا يفقدون كل أموالهم، لذا يتمّ القبول بهذا الخيار. أما الـ Bail-Out أو ما يُعرف بخطّة الإنقاذ الخارجي فهي عملية تنص على إنقاذ المصرف من قبل أطراف خارجيين عادة ما تكون الحكومة (من أموال الضرائب)، وبالتالي لا يتحمّل المودعين والدائنين أية خسائر. وهذا الخيار يُثير حفيظة دافعي الضرائب لأنه يتمّ إستخدام المال العام لإنقاذ شركة خاصة.

هناك عدد من المبادئ العامّة التي تحكم عملية الـ Bail-in وموجودة في نصوص قانونية دولية، يؤكد عجاقة. من هذه المبادىء: (1) أول الخاسرين من عملية الـ Bail-In هم حاملو الأسهم يليهم الدائنين بحسب أولوية تصفية المصرف. (2) إستمرارية المصرف حيث يتمّ تغيير إدارة المصرف بإستثناء بعض الوظائف الحساسة. (3) مبدأ التساوي بين الدائنين من نفس الفئة. (4) توزيع عادل للمسؤوليات حيث أن الدائنين والمساهمين لا يتحمّلون خسائر أكثر مما يتحمّلونه في حال تصفية المصرف، و(5) الودائع المضمونة لا يتمّ المسّ بها.

ويتم إستخدام تقنيات مُتعدّدة لتطبيق الـ Bail-In وذلك بحسب الإطار القانوني والمالي والإقتصادي مثل تحويل الديون المُستحقة للمودعين/الدائنين أو قسم منها إلى أسهم، محو الديون المُستحقة للمودعين/الدائنين أو قسم منها، ومحو قسم من رأسمال المصرف.

في لبنان، تنص خطّة الحكومة الإنقاذية على تطبيق الـ Bail-In وذلك من خلال اقتراح ينصّ على اقتطاع 2% من أموال المودعين الذي تتعدّى حساباتهم الـ 500 ألف دولار أميركي (لم يتمّ تأكيد هذا الموضوع حتى الساعة) على أن يتمّ تحويلها إلى أسهم في المصارف أي على طريقة الـ Bail-In. وهذا الإقتراح لا يلقى ترحيب المصارف التجارية ولا مصرف لبنان.

والمُشكلة في الـ Bail-in، بالنسبة لعجاقة، أنه يؤثّر سلبيًا على الثقة. فالمُستثمر أو المودع الذي يرى أن هناك مساس بأمواله سيعمد إلى الخروج من لبنان إذا ما تمكن من ذلك والأهم أنه لن يعود حتى ولو شهد لبنان إزدهارًا إقتصاديًا لاحقًا أضف إلى ذلك أن هذه العملية تُعتبر إشارة سلبية في الأسواق.

الدستور اللبناني الذي ينص على قدسية الملكية في مقدمته، يمنع هذه العمليات وبالتالي أي عملية مس بالملكية الخاصة، تحتاج إلى تعديل دستوري يتطلّب موافقة أكثر من ثلثي أعضاء المجلس النيابي وهو غير مُتوفّر حاليًا.الجدير ذكره أن مبدأ التعويم في القانون اللبناني هو مبدأ أقرّ في العام 1967 (قانون 2/67) وهو مبدأ بسيط لا يُحاكي، كما يقول عجاقة، التطوّر العلمي والعملي الذي تشهده الأسواق اليوم.

المصدر: خاص “لبنان 24”

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى