اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

تلازم الانهيارين السوري واللبناني… سوق واحدة في بلدين

بيروت: «الشرق الأوسط»-

تكاد عبارة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد: «شعب واحد في بلدين»، تنطبق على تلازم الانهيار المالي في البلدين، وسط حقيقة لا ينكرها أحد بأن هناك ترابطاً متبادلاً بين الاقتصادين السوري واللبناني، في حين أثرت الأزمة المالية والمصرفية اللبنانية في الاقتصاد السوري، لكون لبنان لطالما شكل رئة يتنفس منها الاقتصاد السوري في سنوات الحرب، وفي ظل العقوبات الاقتصادية على دمشق.

ومع أن التقديرات تشير إلى «ارتباط» في الاقتصادين، بالنظر إلى أن انهيار العملة في لبنان كان يتبعه انهيار مماثل في سوريا والعكس صحيح، وذلك قبل تدخل المصرف المركزي اللبناني لدعم الليرة اللبنانية عبر منصة «صيرفة»؛ فإن هذا الجانب يبقى محل نقاش؛ إذ يتباين الخبراء في توصيف الوضع القائم.

ويؤكد الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور محمود جباعي، أنه ليس مع فكرة الارتباط العلمي في موضوع سوريا ولبنان بالعملة، لافتاً إلى أن تشابهاً حصل في الفترة الأخيرة، لجهة انهيار العملة في البلدين. ويشرح جباعي في حديث لـ«الشرق الأوسط» بالقول: «في لبنان، يعد الفساد هو مسبب الأزمة، وتمثل في هدر أموال المودعين، وتطبيق النظام الليبرالي بشكل خاطئ، وسيطرة الاحتكارات على الأسواق، والتّدخل السياسي بالاقتصاد»، لافتاً إلى أن «هذه العوامل كلها ساعدت كأسباب للأزمة التي انعكست لاحقاً على القطاع المصرفي، وأيضاً على القطاع الخاص والعام في لبنان».

وعليه، تصبح مسببات الانهيار، حسب جباعي، «بنيوية لها علاقة بالاقتصاد والمالية، وعدم إدارة الأزمة بشكل صحيح، لا سيما بعد حصول مشاكل سياسية عدة في لبنان منذ 2005 وحتى اليوم ضغطت على الاقتصاد».

ممر يتخطى العقوبات

أما في سوريا، فأكد جباعي أن الأزمة بدأت مع بداية الحرب في 2011، وليس قبل هذا التاريخ، «حيث كانت تتمتّع سوريا باكتفاء ذاتي بشكل كبير جداً بالزراعة والصناعة». من هنا، «لا يمكن مقارنة سوريا بلبنان؛ إذ إن سوريا هي بلد منتج لديه أمن غذائي، ونسبة استيراد قليلة للأمور الضرورية، أما الأمور الأساسية فكانت موجودة ومتوفّرة في سوريا، التي كانت تصنّع سيارات في الفترة الأخيرة، وهي يمكن اعتبارها أيضاً بلداً نفطيّاً، فكان الوضع في سوريا أفضل».

ويرى جباعي أن انهيار عملتي البلدين من الناحية الاستراتيجية «هو أمر مختلف وغير مرتبط، إلا أن البعد الجيواقتصادي للبلدين فيه ترابط»؛ ذلك أن انهيار العملة في سوريا أدى إلى بعض المشاكل في لبنان. وقال: «العقوبات على سوريا وعدم قدرتها على الحصول على المواد الأساسية أدى إلى استغلال السوق اللبنانية ليتم تهريب الدولار إلى سوريا، وهذا التهريب مستمر حتى اليوم من أجل المضاربة في سوريا، وأيضاً من أجل تأمين بعض السلع، وخاصة في فترة الدعم»، لافتاً إلى أن 22 ملياراً ذهبت إلى سوريا؛ «لأنه لا قدرة لها على جلب هذه المواد من الخارج، فأتوا بها من لبنان وحقق التجار الأرباح من خلال هذا الأمر، وهذا ما شكل ترابطاً مباشراً».

قطاع التهريب

ويرفض جباعي ربط أزمة سوريا بالأزمة اللبنانية فقط بموضوع تهريب الدولار إلى سوريا أو تهريب مواد. ويشرح: «لطالما كانت سوريا عندما كان اقتصادها قويّاً، المؤثر الإيجابي على لبنان من الناحية التجارية وغيرها. من هنا، عندما حصلت الأزمة في سوريا كان لها انعكاس على لبنان الذي خسر الاستيراد والتصدير المتبادل بين البلدين». ورأى أن أزمة لبنان قابلة للمعالجة أسرع من أزمة سوريا؛ «لأنه لا عقوبات خارجية مباشرة على لبنان، إنما هو بحاجة لوفاق داخلي، خصوصاً بعدما تمكّن القطاع الخاص من التحسّن»، ويؤكد: «إننا بحاجة إلى بناء دولة بشكل سريع ممنهج مع إصلاحات». أما الملف السوري «فمعالجته سياسية عبر رفع العقوبات، ويبقى أن يتمكن لبنان من الاستفادة من إعادة إعمار سوريا إن كان هناك علاقات جيدة بين الحكومة اللبنانية والحكومة السورية».

النفط السوري

على مدى سنين طويلة شكل العائد النفطي في سوريا رافداً مهماً جداً للخزينة السورية على الرغم من الحجم المتواضع للإنتاج، وبقي النفط حتى ما قبل الحرب على سوريا ببضع سنوات يمثل ما يقرب من 65 في المائة من قيمة الصادرات السورية، فضلاً عن دوره في تحقيق جانب مهم من الاكتفاء الذاتي فيما يتعلق بحاجات سوريا من الوقود وحوامل الطاقة.

انطلاقاً من هذا الواقع، يرى الخبير والباحث السوري الدكتور أسامة دنّورة أن «استمرار الاستحواذ على النفط السوري بإشراف القوات الأميركية يلعب دوراً مهماً جداً في اختلال الميزان التجاري السوري، الأمر الذي يعد مكملاً للإجراءات الاقتصادية أحادية الجانب، والحصار متعدد الأوجه، وقانون (قيصر)، وسواها من العقوبات التي تطبقها الولايات المتحدة الأميركية والمجموعة الغربية ضد الاقتصاد السوري، والتي تعد جزءاً أساسياً من مسبّبات التراجع في المستوى المعيشي والمعاناة المستمرة للشعب السوري».

أما الجانب الآخر، بحسب دنّورة، «فيتعلق بانعكاسات الحرب على الاقتصاد، من دمار البنية التحتية، والخسائر التي أصابت مقومات الإنتاج، إلى الانكماش الذي أصاب الاقتصاد السوري ككل، وتخلفه عن مواكبة التطور التكنولوجي، والحفاظ على مكانته في أسواق التصدير خلال عقد وأكثر من الزمان؛ كلّها عوامل تلقي بظلها الثقيل على المشهد الاقتصادي السوري اليوم». ويعيد أسباب تدهور الاقتصاد إلى «اللاءات الغربية الثلاث»، وهي «لا للتطبيع، ولا لإعادة الإعمار، ولا لرفع العقوبات».

ويقول إنه «في ظل العجز الكبير في الميزان التجاري (رغم إجراءات الحد من الاستيراد)، فإن تمويل حاجات الاستيراد والإنفاق الحكومي عبر الإصدار النقدي غير المغطى بالإنتاج السلعي سيؤدي حتماً إلى تراجع مطرد في قيمة العملة مقابل باقي العملات».

ترابط بين أزمتي لبنان وسوريا

وعن الترابط بين لبنان وسوريا في الأزمة المالية، يؤكد دنّورة أن «هناك تأثيراً متبادلاً ما بين الاقتصادين السوري واللبناني، والأزمة المالية والمصرفية اللبنانية أثرت في الاقتصاد السوري، كما أن التراجع في الوضع الاقتصادي السوري أثر على لبنان». فمن الجانب الأول، «مثلت مصارف لبنان مساراً غير مباشر لتشغيل رؤوس الأموال السورية المهاجرة إلى لبنان ضمن اقتصاد منفتح على المشهد الاقتصادي والمالي الدولي، وبالتالي كانت الأزمة المالية والمصرفية اللبنانية مزدوجة الضرر على الاقتصاد السوري، فمن جهة لم يعد المودع السوري قادراً على تحرير ودائعه لإعادة توظيفها في سوريا بعد تحسن الأوضاع، ومن جهة أخرى كفت هذه الودائع عن أن تكون منتجة عبر إيقاف دفع فوائد هذه الودائع، أو حتى إضافة الفوائد اسمياً إلى الوديعة المجمدة». وضمن هذا المشهد «تراجعت تحويلات العملات الأجنبية إلى سوريا بقدر لا يستهان به، لا سيما في ظل وجود تقديرات تذهب إلى أن حجم الودائع السورية في المصارف اللبنانية قد يصل إلى 30 أو 40 مليار دولار».

وفي الجانب الآخر، شكّل تراجع قدرات الإنفاق لدى المواطن السوري، وتعقيدات عبور الحدود بين البلدين (لا سيما بعد جائحة «كورونا» وحتى اليوم) عاملاً إضافياً من عوامل تزايد الكساد في القطاعات التجارية والسياحية والإنتاجية اللبنانية؛ إذ كان المتسوق السوري واحداً من فواعل زيادة الطلب على التجارة والخدمات، ومصدراً لضخ النقد في الاقتصاد اللبناني.

ويشير دنّورة إلى أن البلدين «يعيشان اليوم معالم ومظاهر متشابهة للأزمة الاقتصادية، فالتضخم الركودي والتراجع المستمر لقيمة العملة، والانخفاض الشديد للقدرة الشرائية؛ هي بمجملها مظاهر مشتركة للوضع الراهن في كلا البلدين، حيث تواجه سوريا تحدي إعادة الإعمار الإنشائي والاقتصادي، في حين يواجه لبنان بدوره تحدي إعادة الإعمار الاقتصادي».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى