اخر الاخبارهام

معركة “أوجيرو” الطاحنة للاستيلاء على مؤسسة “دسمة”

خضر حسان

تأبى هيئة “أوجيرو” الغياب عن السجالات اليومية المبتذلة بين القوى السياسية، التي تتّخذ من المؤسسات والإدارات العامة مسرحاً للمواجهات. ولا تجد تلك القوى حرجاً في اقحام أجهزة الدولة الرقابية لتسديد الضربات تجاه الخصوم. فيُفتَح ملف هنا، ويُقفَل آخر، ويُتَّهم مدير عام، ويُبرَّأ نظير له في الوظيفة والانتماء السياسي. على أنّ المشترك الأبرز وسط تفاصيل السجالات، هو طي الصفحات، ما إن تلوح في الأفق بوادر التسوية.

تلزيمات وعقود مخالفة
لبرهة، تبدو الخلاصة التي توصّل إليها المدعي العام لدى ديوان المحاسبة، القاضي فوزي خميس، مفاجئة. وكأنها تأتي خارج سياق ما تألفه المؤسسات العامة. فالقاضي رأى أن هيئة أوجيرو تشوبها المخالفات، وتحديداً تلك المرتكبة “في إطار مشروع عقد اتفاق رضائي بين وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو لتنظيم أعمال صيانة وتشغيل المنشآت والشبكات الثابتة العائدة لوزارة الاتصالات عن العام 2019”. وفي متن المطالعة، يورد خميس جملة من الارتكابات التي ثبتت، بعد استماع النيابة العامة لدى ديوان المحاسبة، إلى “كلّ من رئيس جهاز الرقابة الداخلية (مراقب عقد النفقات لدى الهيئة) حسن التقي، والمدير العام المالي محمد محيدلي”.

لم تعد التفاصيل مهمّة، حين تطال الجهة نفسها مراراً. فقد تختلف الأسباب، لكن النتيجة واحدة، وهي استفحال الفساد. ولأن الأمر كذلك، بات من الضروري تركيز الاهتمام على ما هو أبعد من التفاصيل المكشوفة، فهي دائماً تُكشَف لتستر الغرض الحقيقي من الفضيحة.

وعليه، لن تشكّل مليارات الليرات التي صُرفت من دون مسار قانوني، حجر الزاوية لتنظيف أوجيرو أو مثيلاتها من لوث أهل السلطة. فالأموال المصروفة على إجراء دورات تدريبية وحملات دعائية، أو تلك المتعلقة بتوزيع المحروقات والتنظيفات… وغيرها، هناك ما يشبهها في مؤسسات أخرى، لم يتحرك لأجلها ديوان المحاسبة، الذي يبدو وكأنه اكتشف فجأة وجود عقود رضائية وأرقام مضخّمة تسرح وتمرح من دون علم وزراء الوصاية أو موافقتهم.

استهداف أوجيرو
يضع المكتب الإعلامي لمدير عام هيئة أوجيرو عماد كريدية، ما صدر عن القاضي خميس، يوم الاثنين 8 حزيران، في خانة “الحملة المبرمجة لاستهداف أوجيرو”، وفق ما يقوله المستشار الإعلامي لكريدية، كريم رفاعي، الذي أكّد في حديث لـ”المدن”، أن ما أورده القاضي خميس “ليس صحيحاً”.
ويأسف رفاعي لنشر قرار خميس بإحالة كريدية وعضوي مجلس إدارة أوجيرو غسان ضاهر وهادي أبو فرحات أمام ديوان المحاسبة والنيابة العامة التمييزية، بناءً على ما توصّلت إليه التحقيقات، “قبل أن تُبلّغ به أوجيرو”.

المشكلة الرئيسية في نظر أوجيرو حتى اللحظة، هي الشكل. كيف يُنشر القرار في وسائل الإعلام قبل اطّلاع المعنيين عليه. ومن هُنا، ردّت أوجيرو في بيان مقتضب، أشارت فيه إلى أنها “تحتفظ بحقها باللجوء إلى هيئة التفتيش القضائي والهيئات الرقابية المختصة كافة”. على أنّ الرد في المضمون، وفق ما أكده رفاعي، سيأتي “بعد الاطّلاع على تفاصيل القرار. فالرد على 5 صفحات، سيكون على الأقل بعشر صفحات”. على أن الامتناع عن الرد الفوري، يدخل في سياق “حرص الهيئة على هيبة القضاء اللبناني”، إذ “ترفض إدخاله وتحويله إلى أداة في أي خلاف أو نزاع سياسي إعلامي”.

القانون والتسوية
هيئة أوجيرو مستهدفة، ليس لأن ما ورد في متن قرار خميس ليس صحيحاً، ولا لأنه صحيح. بل لأن تحويل الجهد من تطوير للمؤسسات ذات النفع العام إلى تدميرها، هو استهداف بكل ما تحمله الكلمة من معنى. هو استهداف للمال العام ولحق المواطنين دافعي الضرائب، في بناء مؤسسات حكومية فعّالة.

الملف المفتوح حالياً ليس معزولاً عمّا سبقه من ملفات. وليس منفصلاً عن التناحر السياسي بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل بشكل رئيسي، لوضع اليد على رئاسة الهيئة. وهذه الرئاسة تستحق التناحر لأجلها، لأن أوجيرو هيئة “دسمة” في عُرف أهل السلطة. وتلك الدسامة أدّت في مرحلة ما إلى التناحر داخل البيت الواحد لتيار المستقبل، وتحديداً يوم اتّهم وزير الاتصالات الاسبق جمال الجراح، كريدية، بأنه “يقوم بأعمال الصيانة والتشغيل انتقائياً، ولغايات خاصة وشخصية، من دون مراعاة الحاجات الفعلية لسير العمل وخدمة المواطنين. ويتجاوز صلاحياته ومسؤولياته القانونية، مسبباً هدراً في المال العام”. ولم تُحل القضية من دون تدخّل مباشر من قبل رئيس الحكومة حينها، سعد الحريري.

ويومها، لم يلتفت ديوان المحاسبة إلى اتهامات الجراح، واعتبارها إخباراً بوجود تلزيمات مخالفة للقانون. وانقضى الأمر بطي الصفحة.

فُتِحَت الصفحة مجدداً بصورة أعنف هذه المرة. هو حق قانوني لديوان المحاسبة. لكن هل سيسلك الملف مساره القانوني أم أن التسوية ستسود مرة أخرى؟

يُستشفّ مصير الملف من خلال التذكير بأن المهلة القانونية لبقاء كريدية على رأس هرم الهيئة، انقضت. ومهلة مجلس الإدارة ستنقضي قريباً. أي أن ما يُكشّف اليوم، هو مؤشرات معركة شرسة تدور في الكواليس حول مجلس الإدارة. وما القرار سوى رصاصة لاستهداف كريدية ومن خلفه سياسياً، في سبيل تقوية موقف التيار العوني، غير البعيد عن التورّط في ملفات الفساد في أوجيرو، وهو ما يُنتَظَر الكشف عنه في المستقبل القريب، كردّ من تيار المستقبل على قرار خميس.

وهذا التراشق، سيكون مقدمة لتسوية سياسية تطيح بالقانون وبما أورده خميس. والتسوية السياسية مطلوبة لاستكمال اللعبة. إذ ليس من السهل كشف كل الأوراق والبدء بتقديم الأضاحي على مستوى عالٍ. فحرق أوراق المدراء العامين لم يحن بعد، وعلى الأرجح لن يحصل، لأن التضحية بمدير عام، سيصيب الوزير بشظايا، وهو ما لن يحتمل أحد نتائجه، لأن أحداً من القوى السياسية لن يبادر للإصلاح من تلقاء نفسه، لأن المبادرة تعني التضحية بالمكتسبات أولاً.

حاول كريدية التمايز منذ استلامه منصبه، فاصطدم بجدار التحاصص وتقاسم النفوذ، حتى أصبح قراره بإجراء بعض التشكيلات الإدارية داخل أوجيرو، محطّ انتقاد واتهام بالانتقام السياسي من العونيين. فيما المستقبليون يتهمون العونيين بعرقلة سير العمل داخل الهيئة. لكن في النتيجة، يتوافق الطرفان على تسهيل مرور الصفقات، فيما تغض باقي أطراف السلطة نظرها، وكأن شيئاً لا يعنيها. ما يضع الجميع في خانة الاتهام، ويضع ديوان المحاسبة في خانة الترقّب.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى