اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

ملف النفط والغاز… ماذا بعد انتهاء المسح البيئي؟

يمنى المقداد-

هل بدأ الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في لبنان؟ ما هي المراحل المنجزة حتى الآن؟ هل يحتمل أن يستخرج لبنان النفط في هذا العام؟ هل يهدّد بدء استخراج العدّو الغاز من حقل «كاريش» بسرقة ثروتنا النفطيّة؟ هذه الأسئلة وسواها تشغل بال اللبنانيين الذين يعلقون الآمال على خيط أمل، في خضمّ الألم الذي يعيشونه، فهل من إجابات شافية؟


بلمحة عامة، أنهت سفينة المسح «جانوس 2» حوالي منتصف شباط المنصرم، المسح البيئي في المياه اللبنانية في الرقعة رقم 9، وهي سفينة مشغّلة من قبل شركةKeranLiban التي تأتي بها شركة «توتال إنيرجيز» وشريكتاها «إيني» و«قطر للطاقة»، على أنّ الشركة الأم الموجودة في لبنان منذ العام 2018، أنهت حفر أول بئر استكشافي، في الرقعة رقم 4 في أوائل العام 2020، وتستعدّ مع شريكتيها «إيني» و«قطر للطاقة» لحفر بئر استكشافي ثانٍ في الرقعة رقم 9 خلال العام 2023.

هذه التطوّرات التي تأتي في سياقها الطبيعي على وقع إتفاق الترسيم البحري، تكمن إيجابيتها في بدء العملية المنتظرة، وإن كان حلم الإستخراج يبدو بعيد التحقّق حاليا لأسباب لوجستية.

التنقيب تحرّر أخيرا!

ورغم كلّ الغموض الذي أحاط بملف الحفر والتنقيب عن النفط والغاز في لبنان سابقا، خصوصا لناحية مصداقية شركة”توتال”، يؤكد المنسق العام الوطني للتحالف اللبناني للحوكمة الرشيدة في الصناعات الاستخراجية مارون الخولي لـ”الديار” أنّ مسار التنقيب عن الغاز والنفط في البلوك رقم 9 تحرّر انطلق بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان والعدو الإسرائيلي، بعد توقف قسري دام أكثر من سنة ونصف أي منذ أيّار 2021، استجابة لضغوط “إسرائيلية” ودولية بمنع التنقيب قبل إتمام عملية الترسيم. علما أنّ”توتال” عند توقيعها العقد عام 2018 كانت قد أكّدت على أنّها لن تتأثر بالنزاع الحدودي، لأنّها ستقوم بعملية التنقيب على بعد 25 كلم بعيدا عن الحدود المتنازع عليها بين لبنان والعدو، الا أنّ قرار المنع كان له الأولوية، وهذا الواقع جعل لبنان يتمسك ويشدّد في اتفاقية الترسيم على ضرورة البدء بعملية التنقيب في البلوك رقم 9 فورا، بدعم أممي وضمانة أميركية وفرنسية، وهذا كان جوهر الإتفاق والمكسب الكبير للبنان، الذي لن يكون قادرا على المباشرة في عمليات التنقيب من دون هذه المظلّة الدولية.

إلى أي مرحلة وصلت عملية التنقيب والحفر حتى الآن؟ يجيب الخولي أنّ عملية التنقيب عن النفط والغاز في البحر، تتضمّن عدة مراحل، الأولى التي أعلنت عنها شركة”توتال إنرجيز” وهي دراسة الأثر البيئي في البلوك رقم 9، أي دراسة آثار الانشطة البترولية على البيئة وحجمها والطرق المعتمدة لتفاديها، أو تقليل الضرر بحيث سيتّم تحديد الوضع البيئي في المياه اللبنانية والأهداف البيئية التي يجب حمايتها، كما تركز دراسة الأثر البيئي الإستراتيجي على التقييم الإستراتيجي للبيئة لمعرفة التأثيرات البيئية والإجتماعية للسياسات والخطط والبرامج، ولذلك يتّم عمل هذا التقييم لتقييم التأثيرات الإجمالية لأنشطة النفط والغاز في البلوك رقم 9 بناءً على سيناريوهات مختلفة.

ويتبع الإنتهاء من تقييم الأثر البيئي، وفق الخولي، تحصيل الأذونات وإصدار التّراخيص الملائمة عبر وزارتي البيئة والطاقة والمياه، ومن ثمّ الدخول في المرحلة الثانية وهي تحديد كميات النفط والغاز الموجودة في المنطقة المحدّدة، وحفر آبار تجريبية فيها، وذلك لجمع عينات من الصخور والتربة لتحليلها وتقييمها.

ووعدت الشركة أنّها ستبدأ بهذه الأعمال في آخر فصل الصّيف المقبل، بعدها، يتم جمع البيانات وتحليلها لتقييم الكميات المحتملة من النفط والغاز في البلوك رقم 9 ، بما في ذلك التقييم الإقتصادي والبيئي وتبدأ على إثره عملية تطوير الحقل فتتّم هذه المرحلة بعد عمليتيّ التحليل والتقييم، وتشمل عمليات التصميم والتخطيط للمرافق والمعدّات اللازمة لإنتاج النفط والغاز، بما في ذلك منصات الحفر والأنابيب والمحطّات البحرية، وهذا يستلزم 5 سنوات على الأقلّ، لبدء عمليات الإنتاج باستخراج النفط والغاز من المنطقة المحددة ونقلهما إلى الشاطئ أو إلى المنشآت البحرية الخاصة بالإنتاج.

مبادرة(EITI) لحماية الثروة

دائما ما يتخوّف اللبنانيون من سرقة ثروتهم من خلال المحصاصات السياسيّة، ولتجنّب ذلك، تحدّث الخولي عن مبادرة الشفافية في الصناعات الإستخراجية، حيث اوضح الخولي بأنّ مبادرة الشفافية في الصناعات الإستخراجية(EITI) منظمة عالمية تهدف إلى تعزيز الشفافية والمساءلة في الصناعات الإستخراجية، بما في ذلك قطاعات النفط والغاز والتي انضم اليها لبنان عام 2017، ومن حينه تعمل هيئة إدارة البترول على ترتيب كلّ ما هو مطلوب من لبنان بما فيه الإشراف على انتخاب ممثلي المجتمع المدني داخل مجلس أصحاب المصلحة الذي يدير المبادرة، بين ووعد وزير الطاقة والمياه وليد فيّاض في آخر لقاء بينه وبين ممثلي المجتمع المدني بإنهاء كلّ الترتيبات خلال شهر، ودعوة مجلس أصحاب المصلحة المؤلف من ممثلين عن شركات التنقيب الثلاثة والمجتمع المدني ووزارات الطاقة والمالية والبيئة إلى عقد أول لقاء، حيث سيكون لبنان قد أنهى كلّ المراحل التي تخوله بأن يكون عضوا في هذه المنظمة والتي ينضم إليها 51 بلد منتج للنفط والغاز والمعادن.

واشار الى أنّ مبادرةEITI تساعد في ضمان إدارة تدفقات الإيرادات من هذه الصناعات بشفافية، وأنّ الجمهور لديه إمكانية الوصول إلى المعلومات حول الإيرادات المتولّدة وكيفية استخدامها، ونشر تقارير منتظمة توضح بالتفصيل تدفقات الإيرادات من صناعاتها الإستخراجية توفر معلومات عن المدفوعات التي ستقدّمها شركات التنقيب إلى الحكومة والإيرادات التي تتلقاها الأخيرة من بيع هذه الموارد، وتُستخدم هذه المعلومات لتعزيز المساءلة وتزويد المواطنين بصورة واضحة عن كيفية إدارة مواردهم، ومن هنا تصبح عملية المحاصصة والسرقة والفساد أمرا مستحيلا، كما توفر المبادرة منصة لأصحاب المصلحة للمشاركة في حوار حول إدارة عائدات الصناعة الإستخراجية، ومنتدى لمناقشة القضايا المتعلقة بالشفافية والمساءلة وتقديم توصيات لتحسين إدارة تلك العائدات.


متى يستفيد لبنان إقتصاديا؟ يجيب الخولي: بطبيعة الحال ستنعكس ثروة الغاز والنفط على أزمتنا اللبنانية، ولكن ليس قريبا جدا، ففي حال وجد لبنان مكامن تجارية واعدة في البلوك رقم 9، فإنّ الإستخراج والإنتاج لن يتحقق قبل 5 أو 6 سنوات، لافتا إلى أنّ الطريقة التي سيتّم من خلالها التعامل مع هذه الثروة النفطية ستحدّد بشكل كبير ما إذا كانت ستنعكس بشكل إيجابي أو سلبي على الإقتصاد اللبناني المنهار، خصوصا وأنّ الأمر يتطلب إدارة جيدة وشفّافة لهذه الثروة، وستؤمن مبادرة الشفافية آلالية والإطار للرقابة والتدقيق بشكل مستقل، بخاصة أنّها ستتم تحت رقابة الشعب اللبناني، ويمكنها أن تحقّق زيادة في الإيرادات الحكومية وتعزيز الإستثمار والتنمية في قطاعات الاقتصاد المتعدّدة، و تعزيز التعليم والصحة والبنية التحتية، وتحسين مستويات المعيشة للمواطنين، وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية. وعليه نراهن بشكل كبير على نجاح مبادرةEITI لدورها الحاسم في تطبيق قوانين الشفافية من خلال تعزيز الشفافية والمساءلة في الصناعات الإستخراجية.

سرقة العدو لثروات لبنان

هل يسرق العدو ثروتنا النفطيّة؟ يجيب الخولي : لم نكن يوما بمأمن من اعتداءات العدو، وحين بدأ استخراج الغاز من حقل «كاريش»، أصبحت احتمالات سرقة نفطنا واردة جدا. ولفت إلى العديد من التصريحات والمقالات التي تقول بأنّ العدو سيعمد إلى سرقة غاز ونفط لبنان من خلال بدء الاستخراج من حقل”كاريش”، وكذلك الشفط من حقل”قانا”، إلاّ أنّه اعتبر أنّ هذا الأمر مستحيل تقنيا فحقل”كاريش” يبعد حوالى 30 كيلومترًا شمال غرب مدينة عكا، بينما يقع البلوك رقم 9 في الجزء الجنوبي من البحر الأبيض المتوسط، على بعد حوالى 30 كيلومترًا جنوب غرب مدينة صور، وبالتالي فإنّ حقل”كاريش” يبعد حوالى 60 كيلومترًا عن البلوك رقم 9 في البحر، ولذلك فإنّ إمكانية شفطه بشكل أفقي غير وارد بهذه الإحداثيات. وعلينا أن لا ننسى بأنّ العدو يسرق شرعيا من حقل “قانا” عبر اتفاقية الترسيم من خلال استيفاء جزء من أرباح شركة “توتال إنرجيز”.


خلاصة القول… المؤشرات حتى الآن إيجابيّة في ملف النفط اللبناني، لكنّ الوقت كفيل بتبديد هذه الإيجابيّة في حال المماطلة وعدم اعتماد الشفافيّة. وحتى ذلك الحين، ليس أمامنا سوى الإنتظار الذي يبدو شاقا جدا، لا سيّما مع جنون الدولار العابث بأمننا الإقتصادي والإجتماعي.الديار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى