اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

بين الشعبوية والواقعية… كيف تقارب المعارضة “جلسة التمديد”؟!

حُسِم الأمر، ورُحّلت الانتخابات البلدية والاختيارية عامًا آخر، “كحدّ أقصى” كما يحلو للراغبين في “تلطيف” الحقيقة أن يروّجوا، تمامًا كما روّجوا أنّهم “جاهزون” للاستحقاق، الذي لم يحرّكوا ماكيناته أصلاً كما يجب، ليكتشفوا في ربع الساعة الأخير فقط أنّ عقبات “لوجستية” تحول دون إتمامه، من التمويل وفتح الاعتمادات اللازمة، إلى الصعوبات الإدارية والعملية، في ظلّ الأزمة الاقتصادية وإضرابات الموظفين في أكثر من قطاع حيوي وأساسي.

حُسِم الأمر إذًا، بتوزيع أدوار مثير للجدل، بعدما اختارت الحكومة أن تدرج بند تمويل العملية الانتخابية، الذي كان متعذّرًا طيلة الفترة السابقة، في جلسة تعقد بعد ظهر اليوم نفسه الذي قرّر فيه البرلمان أن يجتمع للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية، بذريعة غياب التمويل، وبعدما كان التئامه “شبه مستحيل” لفتح الاعتمادات، ليصبح “ممكنًا” من أجل التمديد، بغطاء ميثاقي من “التيار الوطني الحر”، ولو تحت عنوان “تفادي الفراغ الشامل”.

لكن، إذا كان التأجيل حصل باتفاق ضمني بين رئيسي الحكومة نجيب ميقاتي ومجلس النواب نبيه بري، كما يقول البعض، رغم نفي الرجلين للأمر، وبدفع من “التيار الوطني الحر” الذي يتحدّث منذ اليوم الأول عن “عقبات” تواجه الاستحقاق فيما يقول خصومه إنّه “يخشى” الانتخابات التي قد تشوّش نتائجها على موقفه الرئاسي، فإنّ علامات استفهام تُطرَح عن مواقف قوى المعارضة، التي بدت “خجولة” في اليومين الماضيين.

فكيف تقارب قوى المعارضة عمليًا “جلسة التمديد”، وبالتالي تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية؟ هل يبدو موقفها موحّدًا هذه المرّة، أم يشكّل هذا الاستحقاق نموذجًا آخر لتضعضها وتشتّتها وانقسامها على نفسها؟ وأبعد من ذلك، ما صحّة الحديث عن أنّ هذه القوى متفقة ضمنًا مع خصومها على تأجيل الانتخابات، وأنّ مواقفها الرافضة لا تعدو كونها محاولة استثمار “شعبوية” للأمر، ليس أكثر ولا أقلّ؟!.

في المبدأ، يمكن القول إنّ موقف قوى المعارضة، المُعلَن على الأقلّ، غير موحّد من المسألة، فصحيح أنّ بينها من يرفع الصوت، داعيًا لمواجهة مخطّط “تطيير الانتخابات”، لكن بينها أيضًا من يجاهر بأنّ رفضه المشاركة في “جلسة التمديد” يعود لسبب “مبدئي” ليس قوامه تداول السلطة، بل الإصرار على انتخاب رئيس قبل التئام البرلمان، وبينها من يذهب أبعد في “الواقعية” لحدّ الحديث عن “استحالة” إجراء الانتخابات في ظلّ الظروف الحالية، ما يستوجب التمديد.

ويتوقف العارفون في هذا السياق عند بعض المواقف التي صدرت مثلاً بعد جلسة اللجان المشتركة، حين خرج نواب محسوبون على “القوات” و”الكتائب” مثلاً ليعلنوا عدم مشاركة أحزابهم في الجلسة التشريعية، انسجامًا مع اعتقادهم بأنّ مجلس النواب ملزَم بانتخاب رئيس للجمهورية قبل الإقدام على أيّ عمل آخر، ولو أنّ هناك من يذكّر بـ”سوابق” حصلت في الماضي غير البعيد، وبمشاركة نواب “القوات” و”الكتائب” أنفسهم.

أكثر من ذلك، ثمّة من يتوقف عند تصريحات لبعض النواب المستقلّين، بل “التغييريين”، الذين وإن أصرّوا على وجوب حصول الانتخابات البلدية والاختيارية في موعدها، وحمّلوا “قوى المنظومة” بأسرها المسؤولية عن تعطيل الاستحقاق، وفقًا لثوابت خطابهم المواجه لجميع الأطراف، “كلن يعني كلن”، إلا أنّهم لم يبالغوا في ردّة فعلهم، بل باتوا مقتنعين في قرارة نفسهم بـ”استحالة” حصول الانتخابات في غضون شهر من اليوم.

ورغم أنّ نصاب “جلسة التمديد” مؤمَّن، بعدما كان “التيار الوطني الحر” في صدارة الداعين إليها، لا يستبعد العارفون مشاركة بعض الوجوه المحسوبة على قوى المعارضة فيها، سواء من المستقلّين “الوسطيين”، إن جاز التعبير، أو حتى من بعض الكتل الأساسية، ككتلة “اللقاء الديمقراطي” التي، خلافًا لغيرها، لا ترفض مبدأ الجلسة التشريعية بالمطلق، بل هي أبدت انفتاحًا على المشاركة فيها منذ اليوم الأول للفراغ الرئاسي.

لكن، أبعد من الموقف “النظري” من جلسة التمديد، ثمّة علامات استفهام تُطرَح حول الموقف “العملي”، خصوصًا في ضوء بيانات وتصريحات “القوات اللبنانية” في اليومين الماضيين، والسجال الذي اندلع مع “التيار” على خلفية الانتخابات البلدية، فهل يمكن أن تذهب قوى المعارضة بعيدًا، وصولاً للطعن بالجلسة برمّتها، أم أن الأمر سيقتصر على بعض التصريحات “الشعبوية” التي لا تقدّم ولا تؤخر.

كل الاحتمالات واردة، يقول العارفون، إلا أنّ الأكيد أنّ المعارضة لن تضع “كلّ ثقلها” على الموضوع، ولن “تفتعل معركة” بسبب تأجيل الانتخابات البلدية والاختيارية، لأنّ القاصي والداني يدرك أنها موافقة ضمنًا على “سيناريو التمديد”، لأنّها وإن لم تضغط للتأجيل، من باب تقاذف كرة المسؤولية مع خصومها، لا تريد الانتخابات شأنها شأن خصومها، فالتوقيت ليس مناسبًا برأيها، كما أنّ الأجواء غير مؤاتية لها حاليًا.

أكثر من ذلك، يُلاحَظ أنّ هجوم “القوات” على “التيار” مثلاً بسبب موقفه من جلسة التمديد بقي “مضبوطًا ومحدودًا”، وكأنّه يخفي وراءه “رغبة مبطنة” في تمرير الجلسة بالتي هي أحسن، بدليل أنّ أيّ “حملة” لم تُرصَد كما حصل مثلاً قبل الجلسة التشريعية السابقة، التي كان يجب أن تفضي للتمديد للمدير العام للأمن العام السابق اللواء عباس إبراهيم، والذي أبدى “التيار” ليونة إزاءها، قبل أن يتراجع على وقع هجوم الخصوم.

من هنا، لا يعتقد العارفون أنّ موقف المعارضة سيترجَم عمليًا، سواء على الأرض في الشارع، أو حتى في القانون، ولو أنّ هناك تقديرات بإمكانية حصول تحركات “متواضعة” تزامنًا مع الجلسة، لكنها تحركات، إن حصلت، ستكون محصورة ببعض قوى المجتمع المدني، وربما من باب “رفع العتب”، لأنّ هناك من يسجّل حتى على هذه القوى عدم انخراطها في “المعركة” قلبًا وقالبًا، وكأنّ هناك قناعة بضرورة التأجيل.

بعيدًا عن المزايدات والشعبوية إذًا، فإنّ المهمّ بالنسبة للجميع هو ضمان “تطيير” الانتخابات البلدية والاختيارية، انتخابات لو حصلت اليوم، قد تحمل معها الكثير من “الخيبات”، خصوصًا بالنظر إلى طابعها “المحلي والإنمائي”، الذي يقلّص من حجم “الاستقطاب السياسي” على خطّها. ولذلك، فإنّ التأجيل هو خيار الجميع، ولو تبادلوا الأدوار على خطّ “إخراجه”، في فصل آخر من “المسرحية” التي لا يبدو أنّ خاتمتها تقترب!.
النشرة

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى