اخر الاخباربريد القراء

“زينب العالمة” بقلم الدكتورة زينب يوسف (مسؤولة الانشطه العامة في إدارة التبليغ الديني في المجلس الإسلامي الشيعي الاعلى)

بسم الله الرحمن الرحيم

هي من بيت النبوة والرسالة، فقد ولدت الحوراء زينب (عليها السلام) في المدينة المنورة في الخامس من جمادى الأولى عام ٥ للهجرة، من رحم سيدة نساء العالمين السيدة فاطمة الزهراء (عليها السلام) بنت النبي محمد (صلى الله عليه وآله)، فتواضع الشّموخ إجلالاً لشموخها، وانكسر الصبر خجلاً أمام جبل الصبر، هي بنت الكرّار والبتول التي لم تهزّها زلازل الدّهر واهتزت لها عروش الطغاة .

هي زينب (عليها السلام) العالمة غير المعلّمة، العاقلة اللّبيبة والجزلة، الحوراء البطلة التي كانت في وسط واقعة الطّفّ، الممرضة والطبيبة والمشجعة، والإعلامية الحقة في زمن الباطل .

فبعد واقعة كربلاء، وقفت (عليها السلام) بكل رباطة جأشها وتابعت مسيرتها بكل جرأة، واضعةً كامل ثقتها بالله تعالى، كما أنها حققت أهداف ثورة أخيها الإمام الحسين (عليه السلام)، رغم كل الشدائد والمآسي والجراح التي لم تقعدها أو تؤثر بها، بل جعلتها أكثر قوة ونشاطاً وعطاءً، ومثالاً وقدوة للمرأة القوية والصابرة والمجاهدة والعاقلة.

علماً أنها عند مرافقتها لسبط النبي إلى أرض الكرب والبلاء لم تلقِ عبء وجودها عليه، بل كانت السند ومصدر العطاء والقوة. كما وأنها أخذت دوراً عظيماً في الإعلام عن الثورة الحسينية بعد الواقعة، وأوضحت جميع أحداثها كبيرها وصغيرها، ولولا هذا الدور لَطُمِسَت معالم كربلاء العظيمة .

كان موقف الإمام (عليه السلام) في الجهاد والشهادة عنواناً لأهداف كربلاء، وأضحى إعلام الحوراء زينب (عليها السلام) وتعميمها للأحداث والعبر العنوان الآخر الذي تمم العنوان الأول وترافق معه وسانده وأيّده.

لم تتحرك هذه السّيدة الجليلة بغضبها وسخطها، وإنما تحرّكت وأكملت مسيرة عائلتها بثقافة عميقة وفكر كبير ووعي إنساني عظيم، فلم تكترث لإعلام العدو وتشويهه للحقائق، بل بيّنت موقفها من الظلم والباطل، وعبّرت عنه من خلال خطابها الذي خاطبت فيه طاغية السلطة والسياسة آنذاك “يزيد” لعنه الله.

من هنا أعزائي، أودّ أن ألفت انتباهكم وأسلّط الضوء على أهمية العلم والإعلام والثقافة الإعلامية، وخاصةً في يومنا هذا وعصرنا الحاضر، عصر الإنترنت ووسائل التواصل الإجتماعي، عصر التكنولوجيا والدعاية والصورة .

فقد فضَّل الله عز وجل الإنسان على سائر الخلوقات بالعقل وألهمه الخير وعلّمه البيان، وأعطاه القدرة على الاختيار بعد أن هداه السبيل، فكان الإنسان إنساناً بعقله وسعيه الدائم نحو الكمال والإخلاص في عمله  

علماً أن حياتنا المعاصرة تشهد ثورة معلوماتية كبيرة تركت آثاراً جمّة على مستوى تكوين المجتمعات لتغدوَ من أقوى وأبرز الوسائل تأثيراً، بسبب سهولة إنتشارها والتعامل معها لا سيّما في المجتمعات التي لا تسمح بحرية التعبير، ولما تقدّمه من كمية هائلة من المعلومات على مختلف الأصعدة، الأمر الذي أفرز آثار سلبية وإيجابية في آن واحد على مستوى الإنسان وتفاعلاته العلائقية في الحياة اليومية.

أمام هذا التغلغل والإنتشار الواسع لهذه الوسائط، أين يكمن دورنا ومسؤولياتنا؟ وكيف نتعامل معها ونجندها بما يتناسب مع ثقافتنا الإسلامية ورسالتنا الإنسانية؟ وما هي السبل لمواجهة وسائل الإعلام الغربية التي تعمل على تضييع هويتنا وتفكيك مجتمعتنا والمس بثقافتنا؟

ولكي نفهم أهمية الإعلام علينا أولاً أن نتطرق إلى مفهومه:

فالإعلام في اللغة هو التبليغ والإبلاغ أي الايصال، يقال: أمرُ اللهِ بلغَ أي بالغ. وذلك من قوله تعالى: “إن الله بالغٌ أمره”؟. والبلوغ هو الوصول إلى أمرٍ ما، أو مرحلة ما، وكذلك الإبلاغ والتبليغ، هو إيصال إلى طرق وتوصيل إليه.

أما الاعلام كمصطلح فهو: عملية نقل المعرفة والصورة ونقل وقائع وأحداث وأخبار، وكذلك نقل قيم ومفاهيم ونشرها في الأوساط لتكوين المواقف والوعي الذاتي والتأثير في التأييد لقضية ما على أساس الصدق والصراحة .

إذاً مصطلح الإعلام (ميديا- media) هو مصطلح عام يشير إلى الأدوات (كتاب، تلفزيون، هاتف نقال، جريدة …) ويمكن لهذه الأدوات أن تحمل الأثر الإيجابي أو السلبي، وهي في غالب الأحيان تحمل كِلا الوجهين .

فإنسان هذا العصر، لم يعد باستطاعته العيش بدون الاتصال مع غيره من الناس، وبدون مواكبة ما يدور حوله من أحداث سواء على الساحة المحلية أو العالمية. من هنا تأتي الأهمية والمكانة الكبيرة التي يحتلها الإعلام فأصبح الإنسان أسيراً لهذه الوسائل (وسائط التواصل والإتصال) فهي التي ترسم له طريق حياته وإسلوب نشاطه وعلاقاته.

ولنستعرض هنا بعض الأمثلة: إن أكثر البرامج التي تبث على محطات التلفزة المحلية والعالمية ما هي إلا برامج أُعدت لكي تضلّ الشباب عن طريقهم وتحرفهم عن منهج الأخلاق الإسلامية والعقيدة الدينية، فتصور لنا عالماً مثالياً خالياً من المشاكل والعوائق، وهنا يقع الأطفال والشباب في وهم هذه الصورة المزيفة ويسعون إلى تحقيقها في عالمهم الخيالي، فيعيشون في ظل عالم خيالي بعيداً عن الحقيقة والواقع الملموس.

ونشير أيضاً إلى بعض الألعاب التي تنتشر على هواتفنا وجوالاتنا، والتي لا تهدف إلا لهدر الوقت وتضييع العمر ونشر ثقافة الإرهاب والعنف والقتل والحرب، ومن هذه الألعاب على سبيل المثال لعبة PUBG  المحملة على أغلب هواتف الشباب والأطفال، فنجد أن هذه اللعبة قد تسببت لهم بالإدمان عليها وتضييع وقتهم سدىً وإلهاء الأطفال عن دراستهم ومدارسهم.

هذا بالاضافة إلى بعض البرامج التلفزيونية مثل برنامج (star academy, x factor) وغيرهما من البرامج التي تناقض الواقع والتي تُبَثُ تحت عنوان التسلية، بينما هي في الحقيقة ليست سوى برامج مقتبسة من قنوات غربية تهدف إلى تغيير مسار الأطفال على الصعيدين العلمي والعملي، وتسعى إلى الترويج للفحشاء واللهو.

وغايتي من هذا الكلام أن ألفت انتباهكم إلى خطورة هذه الألعاب والبرامج التي تتلقونها عبر وسائط الإعلام والاتصال والتواصل، فعلينا أن ننتبه إلى ضرورة الاستفادة من البرامج الايجابية منها ونبذ السلبي، ومعرفة هدفها قبل اقتباسها وتطبيقها في حياتنا العملية، خصوصاً أننا في زمن التوافر الحر للمعلومات.

وعندما أقول تحليلها أعني معرفة مدى تطابقها مع ديننا وأخلاقنا ونهج أئمتنا (عليهم السلام). وهل هذه الوسيلة فيها مصلحة لنا أم لا؟ وما هو الهدف من عرضها لنا؟

أعود وأذكّر أيها السادة أن دورنا يكمن في نشر الصحيح والسليم والمتطابق مع ديننا، والذي يخدم قضيتنا الحقة من خلال نشر الحق والأمر بالمعروف والدفاع عن قضية الحق الإنساني (قضية فلسطين) أو تظهير الباطل والظالم على صورته الحقيقة والتعريف به والتنبيه إلى ما يمكن أن يُفخخ به تلك البرامج والألعاب من مكائد وانحرافات.

ويجب علينا التنبه والفصل بين الخيال والواقع، حتى لا نقع فريسة سهلة في حياة الخيال مما يجعلنا لا حول لنا ولا قوة إلا بالله، بحيث نقف متفرجين على ما يجري من حولنا فلا نستطيع التغيير ولا اللحاق بركب التطور.

ونعود إلى مولاتنا السيدة زينب (عليها السلام)، التي لم تقف متفرجة على ما جرى حولها بل دافعت وأكملت مسيرة أخيها الإمام الحسين (عليه السلام) بكل ما أوتيت من قوة، من خلال نشر الحق والحقيقة ورفض الظلم والباطل، أما نحن، فواجبنا يكمن في التمثل بهذه السيدة الجبارة الجليلة، وألا نقف متفرجين ومستهلكين لكل ما يفد إلينا من دون التنبه إلى مساوئه وما يُفخخ به من مكائد وطرق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى