اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

«مجلس نقد لبناني» لحماية الليرة على طريقة البروفسور HANKE

ذو الفقار قبيسي

اهتم الوسط الاقتصادي بالاقتراح الذي قدّمه البروفسور STEVE HANKE أستاذ الاقتصاد التطبيقي في جامعة JOHN  HOPKINS الأميركية، خلال لقائه مجموعة من الوزراء والنواب وخبراء المال والاقتصاد، بإنشاء «مجلس نقد لبناني» currency board «يمكن أن يرى النور خلال ٣٠ يوما كحد أقصى» كما قال. وأعطى مثلا  «مجلس النقد» الذي انشأته بلغاريا خلال أزمتها المصرفية والمالية الكبرى بعد أن  توقفت مرات عدة عن سداد ديونها بين الأعوام ١٩٩١ و١٩٩٧ وتمكنت عبر «مجلس النقد» من تحقيق الاستقرار النقدي وخفض التضخم من ١٣٢٠% الى 6,1% وخفض عجز الموازنة من 14,2% الى فائض، وتكوين احتياطيات نقدية عالية، كما قال البروفسور «هانكي» الذي  رأى انه من خلال «مجلس نقدي لبناني» يمكن إستعادة الثقة بالليرة اللبنانية واجتذاب الرساميل العربية والأجنبية وفصل الليرة عن السياسة ووقف التسليف للدولة.


وموجز الفكرة: إنشاء «سلطة حكومية مستقلة» عن البنك المركزي تدعى «مجلس النقد» تضبط سعر الصرف بحيث يكون مقابل كل ليرة مطبوعة ما يقابلها في الاحتياط  من عملة أجنبية معينة يختارها «مجلس النقد» على أساس معدل صرف محدد وثابت (مبدئيا  دولار أو يورو واحد مقابل مثلا كل ٥٠٠٠ ليرة مطبوعة). ولا يمكن بموجب هذا النظام طبع أي ليرات إلا إذا كانت مدعومة بـ «يورو» أو دولارات موازية. وبهذه الطريقة يقبل القريب والبعيد على التداول بهذه الليرة التي لا يصيبها التضخم عندها بسهامه الدامية كما هو حاصل الآن في لبنان.


فما مدى إمكانية نجاح هذه الفكرة في لبنان؟


أولا: ما دامت انطلاقة الفكرة توجب وجود احتياطيات عالية من الدولار أو اليورو أو أي عملة صعبة أخرى يمكن مقابلها طباعة ليرات لبنانية، فمن أين ستحصل الدولة اللبنانية في محنتها النقدية الحاضرة، على الاحتياطات الأجنبية المطلوبة، وهي التي لم  يعد لدى مصرفها المركزي أكثر من ٧٠٠ أو ٨٠٠ مليون دولار خارج الاحتياطي الالزامي الذي ليس ملكا للدولة ولا لمجلس النقد المقترح، وخارج احتياطي الذهب الذي في حال انفقت الدولة ما طبعت مقابله من الليرات، يكون قد «ذاب الذهب» على الطريقة التي ذابت بها احتياطيات الدولارات  في «أتون» دولة النهب والهدر والمحسوبيات.


ثانيا: ماذا سيكون مصير سعر الليرة المغطاة بعملة أجنبية أو بالذهب فيما لو حصلت أزمة مالية أو نقدية هزت عملة التغطية من دولار أو يورو أو انهار سعر الذهب؟ وكيف يمكن عندها مواجهة انهيار الليرة، ومعها الثقة المحلية والعالمية، وتجنب هياج السوق السوداء بمثل ما نشهده اليوم  في لبنان؟


ثالثا: اعتماد إصدار النقد بكمية محددة مقابل كميات من عملة أجنبية محددة، معناه إلغاء مبدأ السياسة المالية التي لا بد منها لدول الأسواق الناشئة مثل لبنان والتي تقتضي ضخ النقد أو منعه حسب الحاجات التنموية فيما يشبهه الاقتصادي «كينز»  بـ»الاسفنجة» SPONGE POLICY التي تفرز السيولة في الأسواق أو تمتصها حسب الحاجات التمويلية المطلوبة لتجنب الركود أو الكساد. والدليل ان فكرة «مجلس النقد» التي راجت لفترة بعد الحرب العالمية الثانية اقتصرت فيما بعد على عدد محدود من الدول ومنها الأرجنتين والسلفادور إضافة الى بلغاريا التي قدّمها البروفسور «هانكي» كنموذج للبنان في  لقائه مع الوزراء والنواب والخبراء اللبنانيين.


رابعا: وحتى النموذج البلغاري الذي استشهد به البروفسور «هانكي» متى تم تفحصه بالمقارنة مع أحوال لبنان، يلاحظ ان بلغاريا عندما اعتمدت «مجلس النقد»  ضخت فيه السيولة الكافية من الدولارات لدعم معدل صرف محدد   بـ٤٨٧ ثم بـ٥٨٨ Lev (ليرة بلغاريا) لكل دولار واحد. وهي سيولة غير متوافرة الآن في لبنان. كما عمدت بلغاريا في الوقت نفسه للمزيد من الدعم الى اصدار سندات خزينة  باستحقاقات قريبة وبفوائد عالية. في حين أن الدولة اللبنانية عبر وزارة المال  ألغت  اصدار سندات جديدة قبل سنوات لعدم وجود طلب عليها لا من المصارف كما جرت العادة سابقا ولا من أسواق المال ولا من الجمهور المقيم أو المغترب، بل ان الدولة التي امتنعت منذ آذار الماضي عن دفع «اليوروبوندز» التي هبط سعرها الى ما بين ١٨ و٢٠ سنت لكل  دولار اسمي أو «نظري»! فكيف يمكن للدولة اللبنانية بعد أن امتنعت عن الدفع، إصدار سندات جديدة؟ إلا إذا كان المقصود استخدام ما تبقى من احتياطيات الودائع ووضعها ثانية في حقول التجارب المالية والسياسية المريرة.


إلى «مقبرة المحفوظات»!


وأمام كل هذه الاختلافات قد لا يبقى سوى اضافة «خطة هانكي» الى باقي الخطط من «فان زيلاند» الى «لوبريه» الى «ماكنزي» ومن شركات «ويمن» «وكي ام بي جي» الى «الفاريز ومرسال» التي استشيرت وأشارت ودخلت وصاياها الى تصنيف «آراء غربية في مسائل لبنانية» في دولة تهدر ملايين الدولارات على مخططات تشتري بها الوقت وترميها في مقبرة «المحفوظات»!

اللواء

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى