اخر الاخبار

من خان الأمير”ثورة الشك” – حاطوم مفيد حاطوم

ها هي ثلاثة عشر عامًا تنقضي على رحيل الشاعر الأمير عبد الله الفيصل ولا يزال الألم والغضب يعتصران نفسي كلما سمعت أقوى ظاهرة غنائية في تاريخ مصر والعالم العربي… صوت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، يصدح بأغنية “ثورة الشك”، لا لعيب فيها أو ضعف في لحن كلماتها، رغم أنها أبكت من غنائها كثيرون… ولكن هو غضب نابع عن عدم قدرة الكثيرين من النقاد والكتاب والشعراء على سبر أغوار كلمات هذه القصيدة – الأغنية ورؤية المعاني المستترة، وأعمقها فكراً، وأصلحها تلخيصاً للحياة… أولها هنا وآخرها على بعد صفحات…

سقراط قال: نحن لا نرى الأشياء كما هي، نراها كما نحن… لذلك أوجه اليوم من موقعي المتواضع، نداء من القلب والعقل إلى كل من لديه حس إنساني، من أجل سحب كل المقالات والكتابات التي تناولت هذه القصيدة “ثورة الشك” بدءًا من التعليقات التي نشرت على مواقع الإنترنت نقلاً عن جريدة صدى البلد بقلم أحمد سالم، وجريدة الرياض بقلم عبد الله الجعيثن، وغيرها من المقالات المشابهة وصولاً إلى حدود تقديم اعتذار، ولو متأخراً… من الأمير الراحل يصدر عن جميع النقاد وأصحاب المنابر الإعلامية، الذين عجزوا عن فهم فحوى القصيدة وأطلقوا العديد من التفسيرات وبعض المفهومات الخاطئة.

وهنا يحضرني القول الشائع: “أن كنت تدري فتلك مصيبة وان كنت لا تدري فالمصيبة أعظم” ولما كان حسن النية من حسن الفطن والأدب فسوف أخاطبهم على أنهم من أصحاب الظن الحسن وأدعوهم إلى إعادة قراءة القصيدة من جديد بتأن وروية مرات عديدة والتمعن بكلماتها والغوص عميقًا في تفسير معانيها إسمعوها من ام كلثوم وثم أبدوا رأيكم وانتقاداتكم، وأنا واثق أنكم ستوافقوني الرأي، وانكم سوف تدركون أن المقصود في القصيدة في قول الشاعر: “ألن تخوني أكاد أشك في نفسي لأني أكاد أشك فيك وأنت مني” ليس “العشيقة أو المعشوقة ” ولكن “القرين”، وهكذا يمكننا أن نرى أن ما جاء في التعليقات السابقة إنما كان مبنيًا على الظن أن المقصود في كلام الشاعر هو المرأة التي من ضلع الرجل، ففسروا ما جاء في القصيدة على أنه خطاب من عاشق لمعشوقته. وعلى الرغم من العتب الشديد، إلا أن الملامة تخف قليلاً عندما نتذكر ما جاء في مقابلة مع سيدة الغناء العربي “أم كلثوم” وبحضور الشاعر أحمد رامي حين صرحت قائلة: إن هذه الأغنية هي من أصعب ما غنت لتاريخه… حيث استغرق إنجازها حوالي السنتين.

في العام 1958 غنت كوكب الشرق  قصيدة “ثورة الشك” – أول ما كتبت عن ثورة الشك في”وجوه عربية” بنيويورك عام  2007 – وفي هذا العام أبصرت النور، وبعد 13عامًا غنت “من أجل عينيك عشقت الهوى”، وفي ذلك التاريخ وكانت فترة صيف، كنت أعمل في حانة تخص قريبي والذي كان مغرمًا بأغاني أم كلثوم وكان يستمع إليها يوميًا في فترة العصر طيلة فصل الصيف وهكذا نما في داخلي حب الاستماع إلى أغاني الست كما يلقب المصريون يوميًا. وبقيت على هذا الحال حتى العام 1981 حين علمت أن الأمير الشاعر عبد الله الفيصل هو من كتب قصيدة “ثورة الشك” والتي أصبحت أنا من بين الأشخاص المولعين بالاستماع إليها، وإلى ما تلاها من تكملة في أغنية “من أجل عينيك عشقت الهوى”…

ومع بداية العام 2013 كانت قد بدأت تتكون عندي قناعة جارفة بأن المعاني التي ترمي إليها القصيدة تختلف عن تلك التي يتم تسويقها وترويجها عبر النقاد والأدباء والذين لم يروا فيها إلا كلامًا عن الحب والعشق ولم يستطيعوا أن يروا المعنى العميق والمستتر والذي يتحدث عن الصراع بين الخير والشر.

لقد مر الأمير بأوقات عصيبة مليئة بالعتمة والظلمة فخرج منها مع بزوغ الفجر وشروق الشمس، رغم أن ما حصل معه يمكن أن يحصل مع أي كان، إلا أنه وبحسه المرهف وشخصيته المميزة… استطاع أن يستخلص العبر ويخرج من التجارب بالحكمة والبصيرة،… وكتب في قصيدته “ثورة الشك” عن الوسوسات الشيطانية التي يزرعها الشيطان في عقول وقلوب الناس… وتحدث وقال في صوت “كوكب الشرق”، ولكني شقيت لأحسن ظني وفي قصيدة “من أجل عينيك عشقت الهوى” عن انتصار الخير على الشر وهي تكملة لقصيدة “ثورة الشك”.

لقد كتب الأمير قصيدة “ثورة الشك” وهو في الخامسة والعشرين من عمره، والكاتب أحمد سالم، يفأجئنا في مقالاته المثيرة للاشمئزاز بحق القصيدة والأمير، كذلك الأمر في ما نرى أيضاً، الإساءة بمحاولات نسبت القصيدة لشاعر آخر. ومما لا شك فيه، أن الأمير كتب أسطورة من الشعر تركها بين أيدي عمالقة الفن فهل أدركوا معانيها وفحواها والصور التي ترسمها؟. لقد أخذت على نفسي عهدًا أن أبين للقراء إن شاء الله (جل جلاله) كل الحقائق والتفاصيل المرتبطة بهاتين الأغنيتين.

لقد كتبت في العام 2012 مقالة في جريدة اللواء اللبنانية تناولت فيها قصيدة “ثورة الشك”.وأوضحت فيها بيت القصيد… “القرين” وليست عشيقته كما يزعمون في قول الشاعر: “من بريق الوجد في عينيك أشعلت حنيني وعلى دربك أرسلت عيوني”عظيم هذا الأمير وقصائده وعظيمة أم كلثوم وملحينها ومحبيها على الوجد أطربت العالم بغنائها لهذه القصائد والأعظم حكمة الملك فيصل وأسلوبه في ردع ابنه بخطاب العينين وتحويلها لمثلّث إبداعي فيه الحكمة والعبرة، والعظة.

وفي الحقيقة، إن في شعر سمو الأمير تطابق مع مقولة “فريدريك نيتشه” : إننا يجب أن نكون حذرين من حصول الصاعقة، وصاعقة الأمير كانت نوعية ونعمة للشعوب العربية وغيرها.

أما “ثورة الشك” و”من أجل عينيك عشقت الهوى” فسوف تشكلان عنوانًا لاطروحتي ان شاء الله (جل جلاله) فضلاً عن سعيي لإنجاز فيلم وثائقي يتناول حياة الأمير مع أملي أن يتولى الأخوة العرب تمويله. ولقد سبق إن كتبت حول هذا الموضوع مقالة في جريدة النهار بعنوان “إلى الشعب العربي المسكين اقرأ ثم اقرأ”.

ختاماً، أتمنى أن تكون معرفتكم قد ازدادت بفحوى شعر الأمير وبقيمة التربية العربية الأصيلة والتواصل الراقي بين الأب وابنه.

ولكم مني أرقى التحيات والسلام

المخلص أبو مفيد

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى