اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

مجزرة صرف الموظفين في “الأميركية”: خطيئة الإدارة وحساباتها الباردة

نادر فوز

أمام مدخل مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت، التقى شابان. الأول بثياب زرقاء وعليها بطاقة تشير إلى أنه ممرّض. وثاني بقميص أبيض، يرفع لافتة مكتوب عليها “عطبوني خلال العمل، ثم زعبوني”. هما صديقان، “بل قلّ إننا أخوة”، يشير الممرّض. زميلان ترافقا في العمل لأكثر من 13 عاماً، الأول حضر اليوم الإثنين إلى وظيفته، والآخر وقف للاحتجاج على صرفه من العمل. في المكان احتشد المئات، منهم مصروفون من وظائفهم، ومنهم المتضامنون معهم من مجموعات الثورة ونوادٍ طلابية في الجامعة وممثلي نقابات ومسؤولين فيها. إنها عملية الصرف الجماعي الأضخم، أقله منذ الحرب الأهلية اللبنانية. على اعتبار أنّ الجامعة، بمؤسساتها المختلفة، مستمرة في العمل. لم تعلن إقفالها ولا إفلاسها أو تصفية نفسها، كما فعلت مصارف أو شركات طيران أو مصانع قبل عقود. لكن في قضية الجامعة الأميركية، تغيب الأرقام الفعلية لعدد الموظفين المصروفين. 630 تم صرفهم، 700، 850، والعدّاد شغال من دون معلومة واضحة وشفّافة صادرة عن الإدارة.

أزمة عامة
الأزمة، أزمة عامة وجامعة. الانهياران المالي الاقتصادي طال المؤسسات في كل القطاعات، وسط مؤشرات تمهّد للمزيد من المآسي في سوق العمل. وترجّح دوائر معنية بالاقتصاد وحركته أنّ الأسوأ لم يقع بعد، وأنّ أعداد المصروفين من وظائفهم في كل لبنان في طريقها إلى ارتفاع صاروخي. فقد تتخطى نسبة العاطلين عن العمل عتبة مئات الآلاف. والجامعة الأميركية في بيروت، بمؤسساتها الاستشفائية والطبية والأكاديمية والبحثية، من أكبر المشغلّين في البلد. أزمتها المالية، تعني أنّ مجزرة فعلية ستقع. توضحت ملامح المجزرة بصرف المئات، في حين أنّ مئات آخرين ينتظرون المصير نفسه.

مسألة حياة أو موت
عدد من الموظفين الذين نجوا من مجزرة الصرف باتوا أمام ضغط هائل. منهم من راقب الاعتصام من نوافذ المباني، ومنهم من شارك فيه تضامناً مع زملاء لهم. “لا أعرف ماذا أقول”، تقول إحدى الممرضات على مدخل المشفى. نجت، إلا أنها تتحسّر على مئات العائلات التي باتت بلا مدخول ولا ضمانات. تعب نفسي ومعنوي هائل، يضاف إليه ضغوط مهنية مرتقبة. إذ بدأت نتائج الصرف تنجلي بعد أيام على وقوع المجزرة. “بتنا مضطرين إلى تغطية وظائف الزملاء المصروفين”، تقول، إذ بات عليهم العمل بدل شخص أو اثنين. والخوف الأهم هو على جودة العمل، خصوصاً في القطاعين الطبي والاستشفائي، حيث الموضوع قد يكون مسألة حياة أو موت.

رسالة فضلو خوري
بينما كان اعتصام المحتجّين على قرار إدارة الجامعة بصرف المئات من موظفيها مستمراً، وجه رئيس الجامعة، فضلو خوري، رسالة إلى أسرة الجامعة مشيراً إلى أنّ القرار الأخير “أجبرنا على خسارة 850 شخصاً من أفراد أُسرتنا من خلال تسريح 650 موظفاً وعدم تجديد عقود 200 آخرين”. وتابع خوري رسالته مشيراً إلى أنه “بفضل جهود القيادة في إدارة الجامعة وبالتعاون مع نقابة العمال ومستخدمي الجامعة الأميركية في بيروت، استطعنا بشكل ملموس النجاح في تقليل عدد الوظائف، وفي الوقت نفسه قمنا ببناء شبكة أمان اجتماعي موسعة حيث قررنا دفع راتب ما بين 6 إلى 24 شهراً كتعويض إنهاء الخدمة. وسوف نستمر في دفع تكاليف التعليم في برامج البكالوريوس في الجامعة الأميركية في بيروت لأولاد الموظفين الذين غادرونا لحين تخرجهم، كما سوف نحافظ على كامل تمويل التعليم المدرسي لمدة عام واحد، وتقديم منافع صحية بأمس الحاجة إليها”.

سوء إدارة
وشرح خوري بعضاً من أسباب الأزمة لافتاً إلى أنه “خلال العقد الماضي لم يعمل المركز الطبي في الجامعة على زيادة الاحتياطيات اللازمة إلى أقصى حد. ولم يكن التعامل بموضوع المصاريف كما يجب عند بدأ الأزمة المالية”. وأضاف أنه “في ظل الاقتصاد المتضائل إلى حد كبير، أصبح المركز الطبي يعاني من مشكلة كبيرة في التوظيف الزائد في العديد من الأقسام والوحدات. وهو أمر يجب معالجته على وجه السرعة”. كما أشار خوري إلى تفهّمه لـ”لتأثير الكارثي لعمليات التسريح”، لافتاً إلى أنّ “عدداً من الذين يشغلون مناصب قيادية وذوي الأجور المرتفعة يساهمون في 10-20 في المئة من رواتبهم إلى الجامعة منذ أشهر عديدة، وأنا شخصياً أعيد 25 في المئة من راتبي منذ منتصف تشرين الثاني 2019”. كما اعترف أنّ “طريقة التسريح كان من الممكن تنفيذها بشكل أفضل، بالإضافة إلى تجنّب بعض الالتباس وبعض الألم”، لكنه أكد أنّ “الوجود الأمني كان ضرورياً، بعد أن كنا قد تلقينا تهديدات خارجية موثوقة في وقت سابق من الأسبوع، مما أدى إلى توصيات بتشديد الحماية الأمنية”.

أخطاء خوري
أنهى خوري رسالته في التأكيد على حاجة الجامعة إلى نخبها وناسها وموظفيها وطلابها وخرّيجيها للوقوف إلى جنبها. في رسالته أكد على وجود سوء إدارة في الجامعة، وعلى سوء تعامل مع المصروفين، وكل هذا في الأساس يدينه كرئيس للجامعة. فهو المسؤول الأول عن كل العملية. من أسرة الجامعة الأميركية في بيروت، أساتذة وموظفون يتّهمون خوري بادعاء وجود أزمة مالية في المؤسسات “لاستغلاها في تطهير الإدارة لصالحه”. يشيرون إلى وجود صندوق ائتماني خاص للجامعة في الخارج وفيه ملايين الدولارات. يضيفون أنّ الجامعة حصلت قبل أسابيع على دعم بقيمة 10 مليون دولار من الحكومة الأميركية. وبحسب لوائح الاتهامية هذه “يقوم خوري بهذه الإجراءات بهدف جلب موالين له في رئاسة الأقسام والمواقع الحساسة”. بلغة أخرى، يقولون إنه يتصرّف مثل “رئيس الحكومة حسان دياب، نسخة طبق الأصل عنه، في التوظيف والمحسوبيات والسعي إلى كمّ أفواه معارضيه”.

يؤكد موظفون وعاملون في الجامعة الأميركية أنّهم يتلقّون رسائل الإدارة لإسكاتهم ومنعهم من فضح سوء إدارتها وسياساتها الخاطئة. تصل الرسائل عبر قنوات مختلفة، منها المهني ومنها الشخصي، وفحواها الفعلي تهديد مستقبل هؤلاء وعملهم في مؤسسات الجامعة. خصوصاً أنّ شريحة كبيرة من العاملين تعاقدين وغير مثبّتين، وبالتالي مصيرهم غير مستقرّ. كما أن بين الموظفين المصروفين من يشير إلى تواطؤ حصل بين الإدارة ونقابة العاملين في الجامعة. واقع، إن صح، يشير إلى أنّ السلطة تتصرّف وفق النهج نفسه أينما كان. 

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى