اخر الاخبارمقالات وقضايا

الغاز في لبنان … إلى متى علينا الانتظار؟ (الدكتور شربل السكاف)

مع بدء الاستكشافات في الحوض الشرقي للمتوسط، باشرت الدولة اللبنانية العمل على خطين متوازيين: اطلاق الدراسات البحرية للمنطقة الاقتصادية الخالصة ورسم الاطار المؤسساتي لادارة الملف. فلقد قامت الشركة البريطانيةSpectrum والنروجية PGS بـ 7 دراسات للبحر اللبناني منذ عام 2000 حتى 2013 شملت 15252 كلم2 دراسات زلزالية ثلاثية البُعد (3D) و3200 كلم2 من المسوحات الزلزالية ثنائية البُعد(2D) من اصل المساحة الاجمالية للمنطقة الاقتصادية الخالصة البالغة 22,730 كلم2. وافتتحت وزارة الطاقةData Room عام 2011 حيث وضعت الدراسات بمتناول الشركات العالمية الراغبة في الاستثمار في البحر اللبناني. وقد بلغت حصة الدولة اللبنانية من عائدات الدراسات نحو 43.03 مليون دولار اميركي (لغاية 31 تشرين الاول 2019)، في حين تقدر مجمل البيوعات بنحو 150 مليون دولار.
 
عمدت الدولة اللبنانية الى بلورة إطار تشريعي ومؤسساتي لملف الغاز منذ بداياته عام 2007 متضمناً مجموعة قوانين ومراسيم. وقد استعانت منذ البدء بدولة نروج من خلال البرنامج الحكومي النروجي “النفط للتنمية” (Oil for Development) الذي يهدف الى مساعدة الدول النامية على استثمار مواردها الطبيعية. ووقعت الاتفاقية للمرة الاولى عام 2006 وجددت 3 مرات لتاريخه. ونتج منها المساعدة في صوغ مجموعة قوانين أهمها القانون 132/2010 “الموارد البترولية في المياه البحرية” الذي نتج منه تأسسيس هيئة ادارة قطاع البترول التي اضطلعت بدور محوري في التحضير لبدء عملية الاستكشاف التي انطلقت في 25 شباط 2020، اضافة الى تدريب موظفي الوزارات المعنية، والمساعدة في اعتماد مبادرة الشفافية الدولية في مجال الصناعات الاستخراجية في كانون الثاني 2017 (ITIE) واشراك المجتمع المدني في الاشراف على حسن سير القطاع.
 
مع بدء حفر البئر الاولى في البلوك الرقم 4 من المنطقة الاقتصادية الخالصة، برزت مسألة مشاركة الدولة (State Participation) مع تحالف الشركات المنقّبة (Total – Eni – Novatek). حدد قانون الموارد البترولية في المياه البحرية 132/2010 في المادة الرابعة منه ما حرفيته: “ان ﻣﻠﻛﯾﺔ اﻟﻣوارد اﻟﺑﺗروﻟﯾﺔ واﻟﺣﻖ ﻓﻲ إدارتها تعود ﺣﺻراً ﻟﻠدولة”. وحدد في المادة السادسة مشاركة الدولة التي تحتفظ بحقها في القيام أو اﻟﻣﺷﺎرﻛﺔ ﻓﻲ اﻷﻧﺷطﺔ اﻟﺑﺗروﻟﯾﺔ وﺗﺣدد ﺣصتها ﻓﻲ اﻟرﺧﺻﺔ اﻟﺑﺗروﻟﯾﺔ و/أو ﻓﻲ اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻻﺳﺗﻛﺷﺎف واﻹﻧﺗﺎج ﺑﻣوﺟب ﻣرﺳوم ﯾﺗﺧذ ﻓﻲ ﻣﺟﻠس اﻟوزراء ﺑﻧﺎء ﻋﻠﻰ اﻗﺗراح اﻟوزﯾر ﺑﺎﻻﺳﺗﻧﺎد إﻟﻰ رأي هيئة ادارة قطاع البترول. بالرجوع الى ﺣﺻص أطراف اﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻻﺳﺗﻛﺷﺎف واﻹﻧﺗﺎج، فالمادة 42 توضح ان اﻟﺑﺗرول اﻟﻣﺳﺗﺧرج ﻣن اﻟﻣﻛﻣن اﻟواﻗﻊ ﻓﻲ ﻣﻧطﻘﺔ ﺧﺎﺿﻌﺔ ﻻﺗﻔﺎﻗﯾﺔ اﻻﺳﺗﻛﺷﺎف واﻹﻧﺗﺎج يوزَّع إﻟﻰ اﺗﺎوة ﻟﻠدوﻟﺔ وﺑﺗرول اﻟﻛﻠﻔﺔ وﺑﺗرول الربح. ويتوجب ﻟﻠدوﻟﺔ اﺗﺎوة ﻋن كل ﻛﻣﯾﺎت اﻟﺑﺗرول اﻟﻣﺳﺗﺧرﺟﺔ ﻣن اﻟﻣﻛﺎﻣن اﻟﻣوﺟودة ﻓﻲ اﻟﻣﯾﺎه اﻟﺑﺣرﯾﺔ وﯾﻌود لها اﻟﺧﯾﺎر ﺑﯾن اﺳﺗﯾﻔﺎء الاﺗﺎوة اﻟﻌﺎﺋدة لها ﻣن اﻟﺑﺗرول اﻟﻣﺳﺗﺧرج ﻧﻘداً أو ﻋﯾﻧﺎً وﻓﻘﺎً ﻟﻠﻧﺳب ﺑﯾن ﻛﻣﯾﺎت اﻟﻧﻔط واﻟﻐﺎز اﻟﻣﺳﺗﺧرﺟﺔ (المادة 43).

لقد اعتمدت الدولة اللبنانية اذاً نظاماً هجيناً يقوم على المزج بين تقاسم الانتاج ونظام الاتاوة. واستبدلت التسمية المتعارف عليها باسم “اتفاقية التقاسم والانتاج” باتفاقية “الاستكشاف والانتاج” (EPA Exploration and Production Agreement) وهي تشكل الملحق الرقم 2 من المرسوم 43/2017.
 

وفي الوقت عينه، ومع مراعاة فلسفة عقد تقاسم الإنتاج الذي اعتمده لبنان، لا تتحمل الدولة اللبنانية اي تكاليف متعلقة بعملية الحفر، ولا يكون لها أي التزام أو مخاطرة عند استثمار مواردها الطبيعية. فالشركات تتحمل كل الالتزامات، وبخاصة المالية منها، إضافة إلى المخاطر التشغيلية وما يمكن ان ينجم عنها. ولهذا السبب، فإن جميع المسؤوليات الناشئة عن التنقيب تقع على عاتق شركات الكونسورتيوم فقط. في هذا السياق، يقتصر دور الدولة على المراقبة والمتابعة فحسب، فتتجنب بذلك المخاطر وتحمّل المسؤوليات عن الحوادث التي يمكن ان تنتج من عمليات التنقيب. وبعد نتيجة حفر البئر الاولى، تبين أن خيار الهيئة بعدم الدخول كشريك تجاري في الدورة الاولى كان صائباً.
 
في حال حصول اكتشاف تجاري، يجري تقاسم الكميات المنتجة من النفط والغاز بين أصحاب الحقوق والدولة على النحو الآتي: يدفع أصحاب الحقوق اتاوة تعادل 4٪ من الغاز المنتج ونسبة متغيرة (بين 5٪ و 12٪) من النفط المنتج. تُمنح حصة من النفط والغاز لأصحاب الحقوق لتعويض تكاليفهم (بترول الكلفة). وتنقسم الكمية المتبقية بين الدولة وأصحاب الحقوق، أي بترول الربح الذي يتم تقاسم انتاجه في اي فصل بين الاطراف، بنسب تحدد بالاستناد الى العامل – ر- بالنسبة الى الفصل الذي يسبقه مباشرة. وتتيح هذه الصيغة زيادة حصة الدولة بمجرد استرداد أصحاب الحقوق لاستثماراتهم. كما يدفع أصحاب الحقوق الضرائب وفقاً للقانون اللبناني.
 
حددت المادة 12 من القانون الرقم 132 أن مرحلة الاستكشاف التي تحددها اتفاقية الاستكشاف والانتاج لا يمكن ان تتجاوز العشر سنين. ونصت المادة السابعة من الاتفاقية المذكورة على ان المدة الاساسية لمرحلة الاستكشاف للبلوك 4 هي خمس سنوات، قابلة للتمديد اختيارياً سنة واحدة اضافية. تنقسم مدة الخمس سنوات من الاستكشاف الى مرحلتين متتاليتين: الاولى تمتد على ثلاث سنوات، أما الثانية فتشكل فترة سنتين اثنتين. في كل من المرحلتين الاولى والثانية تلتزم الشركة حفر ما لا يقل عن بئر استكشافية واحدة والتي تشكل جزءاً من التزام الحد الادنى لموجبات العمل المؤلفة من مسوحات جيوفيزيائية وجيولوجية وجوية. في حين أن المدة الزمنية القصوى لمرحلة الاستكشاف للبلوك الرقم 9 هي ست سنوات (المادة 7) وتنقسم ايضاً الى مرحلة استكشاف أولى وثانية، وتكون الشركة ايضاً ملتزمة حفر ما لا يقل عن بئر استكشافية واحدة والتي تشكل جزءاً من التزام الحد الادنى لموجبات العمل. قبل انتهاء مدة الاستكشاف الاولى، وفي حال ارادت الشركات عدم دخول المدة الثانية يتوجّب عليها أن تتخلى عن مساحة الرقعة بالكامل (البند 8 من المادة 7)، علماً ان مرحلة الاستكشاف تبدأ بالتاريخ الذي يُتخذ فيه القرار بشأن الموافقة على خطة الاستكشاف العائدة لمدة الاستكشاف الاولى، أي عند صدور قرار وزير الطاقة الذي يحمل الرقم 21 ق بتاريخ 28-05-2018. وفي حال لم يتم تنفيذ اي جزء من التزام الحد الادنى لموجبات العمل (تشمل حفر الآبار) يتوجب على اصحاب الحقوق ان يدفعوا للدولة مبلغاً بالأورو يوازي 40 مليون دولار اميركي لمدة الاستكشاف الاولى و35 مليون دولار اميركي لمدة الاستكشاف الثانية.
 
أما السؤال عن نتائج الاستكشاف والتقويم، فالمادة العاشرة من اتفاقية الاستكشاف والانتاج تُلزم اصحاب الحقوق خلال حفر أي بئر ابقاء هيئة ادارة قطاع البترول على علم بالتقدم الحاصل. وفي حال حصول اكتشاف ما، يبلغ الوزير فوراً مع نسخة الى هيئة ادارة القطاع، مع التبيان من خلال التبليغ ما اذا كان الاعتقاد بان الاكتشاف هو نفط ام غاز طبيعي، وما اذا كان يرتقي الى اكتشاف تجاري محتمل. وفي حالة البلوك الرقم 4 فإن التبليغ مكّن اللبنانيين من معرفة النتيجة من دون الحاجة الى الانتظار فترة طويلة.
 
ويبقى الاهم اليوم هو عملية استكمال مراحل الاستكشاف في البلوكين 4 و9 ومتابعة دورة التراخيص الثانية على أمل الاعلان عن اكتشاف تجاري في البلوكات اللبنانية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى