اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

المعارضة لن تعوّم حكومة من “لسنا منهم”!

اندريه قصاص

قبل أن يقرّر رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الدعوة إلى “طاولة الحوار”، ستشمل جميع القوى السياسية من رؤساء جمهورية سابقين ورؤساء حكومات سابقين ورؤساء الأحزاب ورؤساء الكتل النيابية كان رئيس الحكومة حسّان دياب يقول “نحن لا نريد البقاء من دون فاعلية ونحن لسنا منهم ولن نكون”.

هذه الدعوة، التي سيشارك فيها بالطبع الرئيس دياب، حشرته في الزاوية، إذ سيجد نفسه مضّطرًا لأن يجتمع مع من “لسنا منهم”، خصوصًا أنه لم يحدّد من هم الذين “لسنا منهم”، والذين “لا نشبههم”، مع أن اللبيب من إشارة دياب يعلم من هم هؤلاء الذين ليسوا منه، وهم سيكونون حاضرين، وبقوة، إذا قرروا الحضور، وجهًا لوجه مع من يعتبرون أنه لم يحقق ولو إنجاز واحد، منذ أن تولى رئاسة حكومة تُتهم بأنها عاجزة، للتقليل من اضرار الأزمة الإقتصادية والمالية التي تمرّ بها البلاد.

فلو كانت حكومة “مواجهة التحديات” على قدّ المسؤولية، ولو كانت بالفعل حكومة المرحلة الحرجة، ولو كانت تقوم بما يُفترض بها أن تقوم به تجاه شعبها أولًا وتجاه الخارج ثانيًا، لما كان لـ”طاولة الحوار” أي لازمة.

وفي رأي كثيرين ممن وجهت إليهم الدعوات فإن “طاولة الحوار” في بعبدا هي بمثابة بديل عن ضائع، أو خيارًا من بين خيارات كثيرة تحلّ محّل العجز عن إستبدال الحكومة الحالية بأخرى تتحمّل مسؤوليتها التاريخية في ظروف تاريخية. فلو كان في الإمكان الأتيان بحكومة مختلفة، شكلًا ومضمونًا، لما كان لمثل هذه الطاولة مكان في محل الإعراب السياسي.

أمّا أن تشمل الدعوة هذه المرّة جميع القوى السياسية فهذا يعني الإقرار، ولو بطريقة غير مباشرة، بأن حكومة دياب تحتاج إلى حضانة سياسية، بعدما أثبتت التجارب أنها تفتقد للخبرة السياسية في تعاطيها مع الأزمات الكبرى، وهو أمر طبيعي بما أنها حكومة تكنوقراط.

فبلقاء 25 الجاري يكون عدد طاولات الحوار الوطني قد اصبح ثلاثة منذ العام 2006. فالأولى إنعقدت عام 2006 في عھد الرئیس إمیل لحود ولكن في مجلس النواب برعایة وإدارة الرئیس نبيه بري، والثانیة إنعقدت في عھد الرئیس میشال سلیمان عام 2012 برئاسته في بعبدا، والثالثة ھي التي دعا إلى عقدھا الرئیس عون الأسبوع المقبل، وبذلك يكون الرئيس عون قد دعا إلى ثلاث طاولات حوار، في أقل من سنة، حيث عقدت في أیلول 2019  “طاولة حوار” ُخصصت لمناقشة الأزمة الاقتصادیة المالیة وكیفیة مواجھتھا، وكانت ھذه أول مرة ینحصر الحوار في الملف الاقتصادي والمالي، بعدما كانت السیاسة مھیمنة وكانت الاستراتیجیة الدفاعیة بندا رئیسیا.

 

وأطلق حوار أیلول أول مؤشر الى تفاقم الأزمة الاقتصادیة وبلوغھا مستویات متقدمة، والى قابلیة الوضع الداخلي للإنفجار، وھذا بالفعل ما حدث في ثورة 17 تشرين الأول. وفي أیار الماضي إنعقدت طاولة حوار في قصر بعبدا تحت عنوان اقتصادي بحت، وھدفت حصرا الى تأمین الدعم والغطاء السیاسي لخطة الحكومة الاقتصادیة التي على أساسھا سیجري التفاوض مع صندوق النقد الدولي، ولقرارات غیر شعبیة وموجعة یجب أن تُتخذ، والتي قاطعتها القوى المعارضة بإستثناء رئيس حزب “القوات اللبنانية”. وشكل ھذا الإجتماع مؤشرا الى إرادة ورغبة لدى الرئیس عون للتدخل في الملف الاقتصادي المالي ومتابعته شخصیا عبر إجتماعات مالیة واقتصادیة متكررة.

ما یختلف في الدعوة الرئاسیة الثالثة أنھا تتم تحت عنوان “طاولة حوار وطني” لن یكون محصورا بالأزمة والخطط الاقتصادیة والمالیة، وإنما یتجاوزھا الى البحث السیاسي في مجمل الظروف والتطورات، وفي أزمة متشعبة وسیاسیة في العمق. ما یختلف أیضا ھذه المرة أن الطاولة توسعت ُودعي إلیھا رؤساء الجمھوریات والحكومات السابقون، وھو ما یحصل للمرة الأولى. وعلى رغم أن الدعوة صادرة عن قصر بعبدا فإن الرئیس نبیه بري ھو “عّراب” الحوار المستجد ویلعب دورا سیاسیا محوریا في تأمین ظروف ومقّومات نجاح ھذا الحوار الوطني وتذلیل العقبات التي یمكن أن تعترض إنعقادھا، لا سیما لجھة المشاركة والحضور وتفادي الوقوع في “ثغرة” لقاء الشھر الماضي الذي افتقد الى “المیثاقیة السنیّة”، وكاد یقتصر على لون سیاسي واحد لولا مشاركة الدكتور سمیر جعجع.

فالرئيس بري ھو نجم المرحلة وهو من یتقن إدارة التناقضات والتوازنات ویبرع فیھا. فهو ینسق مع “حزب الله”، یتفاھم مع جبران باسیل، یستفز دیاب، “یستوعب” الحریري، یصالح الدروز ویحمي ریاض سلامة.

أن هذه الدعوة تعني أن رئيس الجمهورية یستشعر الخطر المحدق بلبنان وتطورات مقلقة آتیة تدعو الى إقفال النوافذ والفجوات، والى عملیة تحصین داخلیة إستباقیة. ویعني أیضا أن حكومة حسان دیاب لیست قادرة على حمل أعباء المرحلة ومواجھة الأزمة الخطیرة، خصوصا بعدما أخفقت في الإمتحان وأضاعت الفرصة وفترة السماح بعدما ّطوقتھا وصادرتھا الإنقسامات والتجاذبات السیاسیة، من الحلفاء والشركاء أكثر من الخصوم والمعارضین.

فإذا نجح الرئيس بري في إقناع المترددين في المشاركة، فإن الشرط الأساسي لهذه المشاركة هو بألا تقتصر المناقشات على الكلام المردّد، بل أن يطلع المجتمعون بورقة إصلاحية تكون قابلة للتطبيق، على رغم المآخذ الكثيرة على الأداء الحكومي، وألا يكون الإجتماع حول طاولة الحوار مجرد فولكلور موسمي، أو مجرد صورة جامعة.

لبنان ٢٤

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى