اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

إسقاط الثقة بنظم الحضارة الكونية… وكذبة النظام المصرفي اللبناني؟!

بنظرة كوكبية، تراءى لي أن من أخطر وأجرأ ما كشفه فايروس كورونا «اللعين» والرجيم أيضاً (المعنى الديني الشرير) ليس فقط بوصفه رجساً من عمل الشيطان، يقتضي أن يتجنبه الناس، بل لجهة النتائج الخطيرة التي ترتبت عليه، وفي مقدمها انهيار الثقة بحضارة العصر، أي بحقبة ما بعد الحداثة، أو النيوليبرالية، المتوحشة، أو نظام «الأمولة» (كسب المال بالمال).


ولا همّ بانهيار الحضارة الراهنة، وأنت تشاهد المشهد، من إجراءات بالغة التفاهة، والحقارة، أمام مصارف لبنان، التي كانت توصف بأنها صانعة «المعجزة اللبنانية»، التي كان يتطرف المغامرون الفينيقيون الطاعنون في القدم (من الناحية الزمنية)، باعتبارها تفوق «المعجزة اليونانية» التي صنعت مفاهيم العقل البشري، من حجر الفلاسفة (أوكسير الحياة) إلى الميكروب الجرثومي، الذي يمخر الأجسام ويقهرها، سواء أعاشوا في زمن الفراعنة الأصليين (حضارة المصريين القدماء) أو الفراعنة، الذين شبّه لهم، فعاثوا على الأرض فساداً، لا يُطاق، أو وأنت تشاهد أو تتابع، الظهور المسرحي، اليومي (كنت أتابعه على شاشة العربية) للرئيس الأميركي (ربما رقم 45) دونالد ترامب، وهو يصارع بائساً «غزوة الفايروس الصيني» (في نظره غير الثاقب).


يتوعّد حيناً، ثم يستكين، يتجهم، ثم تنفرج أساريره، تارة يتذكر صديقه (جونسون البريطاني) وتارة يتهم الصين بتصنيع «الفايروس» أو إخفاء أسراره، وصولاً إلى حجب المال عن منظمة الصحة العالمية… في سابقة إن دلت على شيء إنما تدل على غطرسة، ما بعدها غطرسة، وصولاً إلى الصدام مع كل ما هو قائم، بما في ذلك وقف الهجرة إلى بلاده، ولو مؤقتاً… في حملة، لا ترحم على الصين، الماوية، المتجلببة، دائماً وأبداً عباءة كونفوشيوس، على الرغم من التحولات والتبدلات في أنظمة الحياة، والنماذج، والصور المتعاقبة.


أسقط فايروس كورونا الثقة بحضارة الجنس البشري، ولولا لطف الله، ونظام عصر المعلومات، لكانت الأجناس البشرية تعيش مرحلة العودة إلى ما قبل النظام الطبيعي، أو كأنها في العصور ما قبل الجليدية… أبقى نظام الاتصالات الكوني، الذي هو من إنجازات البشر، بصرف النظر عن أجناسهم وألوانهم، في دائرة الحياة، التي كادت معالمها تنطفئ، فلا جامعات، ولا مدارس، ولا قطارات، أو طائرات، أو مصانع، أو زراعات وحتى حقول… وحدها عصافير البرية، بقيت عصية على تدابير الحجر المنزلي أو الصحي، وطفقت أطقم المستشفيات تقاتل على كل الجبهات، يتقدمهم العلماء والكيميائيون والمختبريون، وممرضات الصف الأول اللواتي، تحولت «الشهيدات» منهن، إلى «أيقونات» إنسانية، في الأعياد المجيدة وبعدها.


بدت الصورة في العالم هكذا:


1- مع فايروس كورونا، هوت زعامة أميركا البروتستنتية للعالم، وبدا أن الحضارة الكوكبية لهذا الإنموذج الحضاري، الذي ربط الكوكب بشبكة من الشركات المتعددة الجنسيات والقوميات، وتمكنت من نشر العقيدة الأميركية، القائمة على النزعة الفردانية، وصولاً إلى منظومة «حقوق الإنسان» التي جعلت التدخل في شؤون الحضارات الأخرى أمراً مألوفاً… من زاوية أن «حقوق الإنسان قابلة للتطبيق على أي فرد في أي مكان بالعالم»، الأمر الذي عرّته، على نحو غير قابل للجدل فايروس الكورونا، إن على مستوى الدواء أو الاستشفاء أو حتى المساعدة المالية، التي حجبت مشفوعة على عدد من الدول في أوروبا، وآسيا وحتى أفريقيا.


2- وضعت الفايروس القاتلة أوروبا أمام تحد من نوع غير مسبوق: هل ما زالت القارة التي كانت منارة التقدم، قبل وراثة الولايات المتحدة زعامة العالم الغربي، بين الحربين الكونيتين، وتصفها الإدارات الأميركية المتعاقبة بأنها «القارة العجوز»، هل ما زالت قادرة على إعادة اختراع نفسها «منطقة وجاهة» سياسية واقتصادية و«شبكة جذب» جديدة متطورة من جديد على احتمال جذب العالم مغناطيسياً، واستعادة دورها التاريخي «كسلطة معيارية» في نظام الجنس البشري قبل الكورونا، فوضع خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (EU), مضعفاً الى حد كبير نموذج الاندماج الاقتصادي العابر للقوميات، والاندماج السياسي فوق الجنسيات، وبعد الكورونا، راحت دور المسنين، ومؤسسات الرعاية تكشف هشاشة القوة الطبية، وهشاشة «الحس الإنساني» لقارة قامت نهضتها الحديثة، مع بدايات الثورة الصناعية، على مفاهيم الحركة الإنسانية، التي جعلت الإنسان والنظرة إليه والمجتمع وهمومه، في صلب نظام الحياة، وصولاً إلى منظومة الحقوق البشرية، وأهمها حقه بالحياة والصحة والعمل، وكيانه القانوني كفرد قائم بذاته.


ضربت الكورونا، الجسم الأوروبي المترهل، في كل دول وعواصم العالم الكاثوليكي الأوروبي، من إيطاليا إلى فرنسا إلى إسبانيا وألمانيا… واضعة القارة البيضاء، التي فقدت دورها مع مرور «الحصر المحوري» بكل حلواته ومراراته لمصلحة إيديولوجيا القوة الأميركية والبروتستنتية، مع الإشارة إلى قوة الإنموذج الصيني في آسيا، من الصين إلى اليابان وكوريا وفيتنام.


3- في ووهان الصينية، ذي الـ12 مليون بشري على أرضها، وبصرف النظر عن نظرية «التخليق الجنيني» لفايروس كورونا، في أحد المختبرات الفايروسية، في المدينة الصينية التي دخلت التاريخ بعد 29 (ك1) 2019، مع جائحة كورونا التي ضربت الكوكب المسكون بأسره، بقاراته، ومدنه الكبرى، وصناعاته، والتكنولوجيا البالغة التعقيد من وادي السيليكون الى تكنولوجيا النانو، وحاملات الطائرات، طرحت الصين الشعبية، أو الصين العظمى ليس بوصفها ثاني أكبر اقتصاد على الأرض، بعد الولايات المتحدة، وليس بوصفها الدولة الأكثر كثافة بشرية (1.400.000.000 نسمة)، وتمتد على مساحة جغرافية (9.572.900 كلم2) (أي ما يعادل ربع قارة آسيا تقريباً)، وهي تمتد من بحر الصين (الباسيفيكي) إلى قلب آسيا (الشرقية تحديداً)، بل من زاوية المرض، الذي بات صفر في ووهان الصينية، بدءاً من 26 نيسان (يوم امس)، وفقا لمسؤول صيني في مجال الصحة، بل من زاوية موقعها الحضاري في قلب النظام الحضاري الكوني، المشكل للسياسات الكبرى على مستوى كل الأنظمة المالية والاقتصادية والتكنولوجية وحتى الطبية.. لتعيد طرح إشكالية التعامل الأميركي مع القوة الصينية، ليس بوصفها دولة ذات ايديولوجيا ملهمة للأفكار والقيم، بل من زاوية قوتها في الاقتصاد والتكنولوجيا وغزو أسواق الولايات المتحدة والعالم ما بعد الأمبريالي..


طرحت الفايروس الإشكالية، تاركة للأيام أو الاشهر أو السنوات أو عقد بكامله، أن يجيب عن هذه الاشكالية، لجهة كيفية التعامل، الذرائعي او البرغماتي، مع صين قوية، باقتصادها وبقدراتها أو صين تسعى الى مدّ نفوذ نموذجها، لاعادة صياغة العالم، وفقا لصورتها، ليس في آسيا الشرقية أو الوسطى، أو سواها، بل في العالم ككل؟!


وبمحاذاة الجانب الشرقي من المتوسط، وفي اوائل دول غرب آسيا، ينشغل ما لا يقل عن 5 ملايين نسمة، هم اللبنانيون، «بمأساة» حقبة كاملة من «التكاذب المجتمعي» انهارت قبل الفايروس، وزادها الكورونا تأزماً مريعاً، بلغ حدَّ اكتشاف عقم تجربة المصارف اللبنانية، والاقتصاد الحر، سواء أكان ريعياً، أم خدماتياً، أم منتجاً؟! مع انحلال مجتمعي مخيف، تحولت فيه القيم رأساً على عقب.. وانبرى اللصوص الى المسرح، يكررون الأكذوبة نفسها، عن المصلحة العامة، وعن جهود الانقاذ.. وعن كل الكلام الممجوج، والتافه، الى حدّ الكشف عن الفضائح المالية الكبرى:


1 – ودائع تسرق في وضح النهار..


2 – أموال تهرَّب بكبسة زر الكترونية بين 5 و7 مليارات دولار.


3 – نضوب الأموال من البنوك.


4 – تحوُّل الليرة اللبنانية، التي شكل استقرارها العامود الفقري لمرحلة من الاستقرار، دام ربع قرن ونيف، بعد اطلاق عملية إعادة الاعمار، وتكوين السلطات.


كشفت النيوليبرالية الجديدة، والطبقة المالية عن وجهها القبيح، في عملية إبادة الثروات، وجرّ الشعب اللبناني الى حقبة معاناة طويلة..


المسألة الآن، وسط نظام دولي يتصدَّع، أن تكون العبرة بأن تصدَّع الطبقتين المالية والسياسية أقل كلفة من تصدَّع الجغرافيا والبشر، والجماعات المصابة بداء التجزئة، إنها خطوة الألف ميل، تبدأ غداً.. وإلَّا فللمواجهة أشكالاً أخرى؟!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى