اخر الاخباربريد القراء

في ذكرى استشهاد القائد ياسر عرفات أبو عمار اغتيال لتصفية القضية الفلسطينية (بقلم الإعلامية سوسن كعوش)

يصادف هذه الأيام مرور الذكرى الثامنة عشر لاستشهاد القائد ياسر عرفات أبو عمار، الذي تم اغتياله بتاريخ 11/11/2004 رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.
إن الاهتمام بذكرى استشهاد زعيم تاريخي مثل أبو عمار، لا يشبه إحياء أية ذكرى وطنية على أهميتها. يرتكز الاهتمام هنا باستحضار الزمن الثوري، ونبذ الحاضر الممتلئ بالخيبات والانكسارات. ذاك الزمن الذي أنتج صور نضالية وملاحم بطولية استقرت في ضمير ووجدان الشعب الفلسطيني، والشعوب العربية.
في الزمن الرديء تبحث الأمم عن النموذج الذي تستلهمه الأجيال الشابة في مواجهة حاضرها ومستقبلها. تبحث عن الانتماء الوطني، عن قدوة، عن ملهم، حتى لو كان ميتاً، لأن صوت الأموات يكون أحياناً مؤثراً أكثر من صوت بعض الأحياء.
ما حققه القائد ياسر عرفات في مسيرة القضية الفلسطينية، لم يستطع أحداً غيره إنجازه من قادة الشعب الفلسطيني. حتى لو اختلفت مع أبو عمار لا يمكن لك أن تقفز عن بعض الحقائق لأنك غير متوافق معه أيديولوجيا. إن تاريخ أي شعب هو تاريخ الانتصارات والهزائم، الإنجازات والخيبات. لذلك سوف يظل اسم ياسر عرفات واحداً من أهم رموز التاريخ الفلسطيني المعاصر.

من هو ياسر عرفات
ولد ياسر عرفات في القدس في الرابع من آب/ أغسطس عام 1929، واسمه بالكامل محمد ياسر عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني. درس في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة.
شارك مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في الخمسينات، وأصبح ناطقا رسميا باسمها عام 1968، وانتخب رئيسا للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري، ويحيى حمودة.
ألقى أبو عمار عام 1974 كلمة باسم الشعب الفلسطيني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
قاد خلال صيف 1982 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما قاد معارك الصمود خلال الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية الغازية حول بيروت طيلة 88 يوما.
وحل عرفات وقيادة وكادر منظمة التحرير ضيوفا على تونس، ومن هناك بدأ استكمال رحلة العودة نحو فلسطين.
عقب إعلان الاستقلال في الجزائر في الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1988، أطلق الراحل في الثالث عشر والرابع عشر من كانون الأول/ ديسمبر للعام ذاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط.
وقع ياسر عرفات ورئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق، إسحاق رابين عام 1993، اتفاق إعلان المبادئ “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض، في الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر، حيث عاد ياسر عرفات بموجبه على رأس كادر منظمة التحرير إلى غزة.
وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في 2000 نتيجة التعنت الإسرائيلي، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول 2000، وحاصرت قوات ودبابات الاحتلال الرئيس عرفات في مقره، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية أطلقت عليها اسم “السور الواقي”، وأبقت الحصار مطبقا عليه، حتى مرضه ومغادرته للعلاج في فرنسا، ثم عودته شهيداً.

الرحيل الفاجع
في الحادي عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2004، رحل أبو عمار في ظل ظروف فلسطينية داخلية، وإقليمية ودولية خارجية صعبة، لا زال يعاني منها الشعب الفلسطيني للآن، بسبب سياسات الاحتلال والعدوان والحصار الصهيوني المتواصل.
هي ذكرى مؤلمة لرحيل قائد استثنائي، خاض نضالا تحرريا وطنياً في سبيل تحقيق أهداف الشعب الفلسطيني لعدة عقود. خاض من أجل هذه الأهداف معارك عسكرية وسياسية لا حصر لها، انتهت باستشهاده، بعد حصار وعدوان صهيوني استمر أكثر من ثلاثة أعوام لمقره في مبنى المقاطعة في مدينة رام الله. الشهيد ياسر عرفات غاب بجسده عن فلسطين، لكن إرثه النضالي ما زال راسخا في ضمير ووجدان أبناء الشعب الفلسطيني.
رحل المناضل والقائد ياسر عرفات في الحادي عشر من تشرين الثاني/نوفمبر 2004، بعد مسيرة ثورية نضالية، رسخت نهجاً كفاحياً، برز من خلالها أبو عمار بمواقفه المؤثرة والاستثنائية، والمثيرة للجدال، على مختلف مراحل النضال الوطني الفلسطيني، بدءًا من انطلاقة الثورة المعاصرة، عبر حنكته الثورية، وإرادته الثورية، وإخلاصه لأهداف الشعب الفلسطيني، وصموده أمام كافة التحديات حتى استشهاده.

اغتيال متكرر
لقد تم اغتيال أبو عمار مرات عدة.
مرة من خلال مذابح أيلول الاسود التي انتهت بخروج المقاومة الفلسطينية من الاردن عام 1970.
مرة من خلال مذبحة تل الزعتر التي في لبنان عام 1976 بهدف كسر شوكة المقاومة الفلسطينية.
مرة من خلال صفقة اتفاقية كامب ديفيد عام 1978.
مرة حين تواطأت بعض الأنظمة العربية مع الكيان الصهيوني والأمريكان على اخراجه من لبنان عام 1982.
مرة من خلال ضغط بعض الأنظمة العربية عليه لكسر ارادته بهدف انتزاع الاعتراف بإسرائيل منه.
ومرة بتسميمه الذي انتهى باستشهاده عام 2004.
أبو الشهداء
اختار ابو عمار الالتزام بالإرادة الحرة، واستقلالية القرار الفلسطيني، والمناورة والمواجهة دون إملاءات.

اليك يا سيدي في ذكرى رحيلك بعض وفاء، وبضع كلمات لا توفيك ما تستحقه كواحد من أهم زعماء العالم، وأحد أهم رموز القضية الفلسطينية خلال الخمسة عقود الماضية في صراعها مع إسرائيل. فقد حمل أبو عمار القضية الفلسطينية على ظهره، وحماها بصدره.
لقد لخص القضية الفلسطينية في كلمات وجيزة، فقال: “إن القضية ليست قضية “أبو عمار” إنما قضية حياة الوطن واستقلاله، وكرامة هذا الشعب، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، لن ننحني إلا لله سبحانه وتعالى، كما لن ننحني أمام التهديد والوعيد، فحياتي ليست أغلى من حياة أي طفل فلسطيني، فكلنا فداء للوطن الغالي فلسطين”.
وقال مؤمنًا بالنصر وكأنه يراه رؤيا العين: “سيأتي يومًا ويرفع فيه شبل من أشبالنا، وزهرة من زهراتنا، علم فلسطين فوق كنائس القدس، ومآذن القدس، وأسوار القدس الشريف”.
اليوم وبعد مرور ثمانية عشر عاماً على استشهاد القائد الراحل “أبو عمار” تظهر الحاجة الملحة إلى أن استحضار كلماته الخالدة التي ترسخت في أذهان الأجيال ولاتزال.
لقد أطلق رمز الثورة والنضال الوطني الفلسطيني، بكوفيته وزيّه العسكري ومسدسه الذي لم ينزعه عن خاصرته، الشهيد “أبو عمار “عبارته الشهيرة متحديًا سلطات الاحتلال: “يريدونني أسيرًا، أو طريدًا، أو قتيلًا، وأنا أقول لا، بل شهيدًا.. شهيدًا.. شهيدًا” فكان له ما أراد وتمنى. دفن “عرفات” في مدينة القدس، كما كانت رغبته قبل وفاته، دفن رجل لا يهزمه النسيان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى