اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

أيام “الجوكر” رياض سلامة انتهت.. ماذا بعد؟

خضر حسان

تحوّلات كثيرة ومحطّات مرَّت سريعاً، صعَّبَت إمكانية تحليل ما يحصل بشكل هادىء والوقوف عند كل مفصل لفهم ما جرى ووضع تصوّر للحل، ومحاسبة المذنبين.

المذنبون يتحكّمون بالدفّة، يُهدّئون إيقاع الأزمة ويسرّعونه كلّما تراجع الضغط عليهم أو ازداد، وكلّما اقتربوا من إنضاج التسوية وتسيير المنظومة أو اختلفوا على الحصص والأدوار.
ووسط كل ما يجري، يختفي “الجوكر”، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي يجد مكاناً له في أي تسوية وأي قرار، ليس لفرادة أفكاره الاصلاحية التي يحتاجها لبنان في محنته، بل لأنه مخزن أسرار المنظومة. والجميع بحاجته في عزّ الأزمة.

بشائر الانهيار
كان الحاكم صادقاً في ما قاله لناحية الانهيار، رغم أنه لم يصدق حيال التبشير بأن “الليرة بخير. ولا داعي للهلع”. 
حاول أركان المنظومة التحايل على اللبنانيين وإسكاتهم بكلام سياسي وباستعراضات شعبوية. وحين فشلوا، لم يبقَ أمامهم سوى رمي كامل المسؤولية على سلامة، بوصفه المتحكّم بالليرة والدولار. لكن ترك الحاكم وحيداً في الميدان، دفعه إلى فتح بعض الأوراق التي تهزّ العصا لأرباب المنظومة من جهة، ومن جهة أخرى تحاول تبرئته وتلقي بالمسؤولية على أركان المنظومة، بوصفهم أصحاب كلمة السر في كل ما ارتكبه سلامة. وللضغط على المنظومة، بشَّرَ سلامة بالفقر والجوع. فهو يعرف بأن الأزمة ستستمر.
على أن أبرز ما صرّح به سلامة، كان في حديث لـCNN، منذ تشرين الثاني 2019، إذ أكّد على أن لبنان على بُعد أيام من “الانهيار” الاقتصادي، داعياً لإيجاد حل “خلال أيام، لاستعادة الثقة وتفادي الانهيار في المستقبل”.

أشهر لا أيّام
اختفى سلامة عن المشهد. تراجعَ الضغط السياسي عنه، حين أيقَنَت المنظومة أن استهدافها لسلامة يسرّع في انكشاف ألاعيبها. ومع اكتسابه للوقت، انصرف سلامة لترتيب اجراءات ألبَسَها ثوب التخفيف من الضغط على الليرة، عبر السماح باستلام التحاويل النقدية تارة، وتارة أخرى عبر تأمين الدولار لدعم استيراد القمح والأدوية والمحروقات. لكن كلّ ذلك لا يتعدّى كسب الوقت قبل الارتطام بالقعر.
أشهرٌ مرَّت لا أيام، منذ أن دعا سلامة لإيجاد حلّ قبل الانهيار. أوَلَسنا الآن في الانهيار؟
علمياً، لم نصل للانهيار النهائي بعد. لكن أخلاقياً، انهارت البلاد منذ زمن. وما ضاعَفَ من حال الانهيار، هو جريمة تفجير مرفأ بيروت، وانعكاسها على الواقع المتردّي. وخطورة هذه الجريمة من الناحية الاقتصادية، هو تسريعها في الوصول للانهيار الاقتصادي التام. وهو ما تدل عليه كافة المؤشرات، ومنها تخفيض التصنيفات الدولية للبنان، بالإضافة إلى التنبيه من توقّف دعم المصرف المركزي لعملية الاستيراد، ما يعني ارتفاع الأسعار بشكل جنوني وزيادة الطلب على الدولار وانفلات أسعاره.
الحل إذاً، لم يأتِ. وما يُناط بسلامة من حلول، لم تنجح، لأنها ليست الحلول المناسبة. فما ارتكبه سلامة منذ نحو 30 عاماً، لا يُمحى بإجراء أو قرار فجائي، بلا تقديم العناصر المادية للنجاح.
وعليه، مضت أشهر منذ الحديث عن “الأيام”. وسلامة لم يظهر إلاّ من خلال التعاميم والقرارات. فربما من الأفضل ألاّ يظهر لتقديم الوعود والأرقام غير الصحيحة والمضلِّلة.

التحقيق الجنائي
تحقيقات وتدقيقات جنائية تتحدّث عن رقابة على حسابات مصرف لبنان، من دون الحديث عن المسؤولين. وكأنّ ما وصلنا إليه ما زال مجهولاً، وكشفه يحتاج إلى تحقيقات.
استنزاف لأموال المودعين، ليس فقط عبر الاستيلاء عليها في المصارف، بل عبر استعمالها في تمويل الاستيراد وتبييض صفحة المنظومة. فهل سيخبرنا سلامة بعد نحو 3 أشهر، ما هي الخطوة التالية لتأمين الدولار لدعم الاستيراد؟ وكيف سيعيد الدولارات إلى أصحابها؟

لا إجابات عن هذه التساؤلات سوى التأكيد على أن لا أموال ستعود لأصحابها، بتحقيق جنائي أو من دونه، لا أموال ولا محاسبة للمرتكبين. فوحده الجوع والغلاء والانهيار هو المستمر والواضح. أما في حال أراد سلامة اجتراح معجزة ما لاستمرار دعم الاستيراد، فهو حتماً سيمدّ يده إلى الاحتياطي الإلزامي، أو لاحتياطي الذهب، وبعدها ستحلّ الكارثة الأكبر.

أين هو سلامة اليوم؟ هو خارج ما يدور في هذا البلد. لم يعد يملك شيئاً ليعطيه سوى تسريع الانهيار. وللمفارقة، لا خيار لديه إلاّ تغذية الانهيار، إذ أنَّه مجبر على وضع آليات لمعالجة الأزمة، ولا معالجة من دون تأمين الدولارات، ولا دولارات إلاّ أموال المودعين والاحتياطي والذهب.
انتهت أيام سلامة التي بشَّرَنا بها بالانهيار. فتحقق الانهيار الأخلاقي قبل أي انهيار آخر.. وإن لم يُثبَت ذلك في الأوراق الرسمية لأي محكمة قانونية.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى