اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

من الهند إلى لبنان: تصريف الإنتاج الزراعي عبر الهاتف!

خضر حسان

أصعب الاستثمارات حالياً، هي تلك المرتبطة بالإنتاج الزراعي. فهذا القطاع تُرِك لمصيره منذ عقود، حتّى تقلّصت المساحات الزراعية، وتبدّلت أنواع محاصيل ما بقي منها قيد الإنتاج، تماشياً مع متطلّبات السوق وما يحقق أعلى مردود مادي للمزارع.

علماً أن إحدى المشكلات الأساسية أمام الزراعة في لبنان، أنها غير موجّهة بالطريقة الصحيحة، ليس فقط لكون توزيع الأموال غير عادل ضمن دورة الانتاج والتوزيع، بين المنتِج والمستهلك، بل أيضاً بسبب خلق حالة من إدمان المزروعات على المبيدات. إذ أدّى استعمالها المفرط إلى اعتياد المزروعات عليها لدرجة أنها أصبحت غير قادرة على النمو والانتاج بشكل كافٍ من دون المبيدات، كما أن سياسة الاستيراد لا تحمي الزراعة الموسمية، وبالتالي لا يتلقّى المزارع المردود الكافي لقاء مزروعاته.

الاستفادة من التكنولوجيا
هذا الحال شكَّلَ دافعاً لدى بعض الشركات للاستثمار في جانبٍ موازٍ للقطاع الزراعي، وهو تسويق المنتجات الزراعية، لكن بصورة عصرية تضمن تصريف الانتاج الزراعي بأسرع وقت وأقل كلفة، على أمل تحفيز المزارع على زيادة كمية الانتاج وتحسين نوعيته، في حين يحظى المستهلك بتخفيض للأسعار.
عمليّة معقّدة ظاهرياً، لكن استعمال التكنولوجيا يسهّل الأمر كثيراً. وهو ما فعلته شركة سمارت بيزنس (Smart business) اللبنانية، حين ابتكرت تطبيقاً إلكترونياً أسمَته “سيند مي” (Send me) ويمكن تشغيله عبر الهاتف، ويُتيح للمزارع تحديد إنتاجه وأسعاره بنفسه، مع تحديد مكانه الجغرافي، ويتيح للمستهلك تحديد خياراته بما يناسبه. وبالتوازي، يسمح التطبيق لمن يملك وسائل النقل، بعرض خدماته، لتتلاءم بذلك مصلحة المزارع بتصريف إنتاجه، ومصلحة المستهلك بشراء منتجات مناسبة، ومصلحة السائق في زيادة فرص عمله.

تنمية القطاع
لا تنحصر المسألة في تسهيل وصول المنتَج من المزارع إلى المستهلك فقط، ففي زمن “الديليفري”، كل شيء بات ممكناً. وعليه، يقدّم تطبيق Send me ميزة تطويرية لأهل القطاع الزراعي. فالمزارعون الذين سيستعملون التطبيق، سيتواصلون حتماً فيما بينهم، وبالتالي سيقدّمون الخبرات لبعضهم البعض، ناهيك عن وجود الخبراء الزراعيين والبيئيين ممّن يستعملون التطبيق. 
فعلى سبيل المثال، المزارع الذي يعلن عن زراعته للعدس، هو يُخبر بطريقة غير مباشرة أحد مُربّي المواشي، بوجود أعلاف طبيعية ستبقى بعد نضوج العدس واقتلاعه. فيتواصل الطرفان للاتفاق على آلية التبادل أو البيع. وأيضاً، سيقدّم الخبراء أفضل الطرق للاستفادة من المساحات الزراعية لتحديد أنواع الشتول المناسبة للزراعة بين كل نوعٍ من الأشجار. فيكسب المزارع لائحة مزروعات مختلفة، مع الحفاظ على إنتاجه السنوي الثابت من الأشجار.

ميزة التطبيق أنه يساعد المنتج والمستهلك، على حد سواء، عبر إدارة الموارد المتاحة في بيئة زراعية تقليدية محصورة ضمن مساحة جغرافية ضيّقة. وتلك الإدارة، تعتمد على العناصر الموجودة في الأصل في تلك البيئة، لتدمجها مع غيرها من البيئات التي يحمل أبناؤها المخاوف والمعاناة ذاتها، على امتداد الجغرافيا اللبنانية. فينتقل بذلك الحل من زاوية الجهد الفردي المضني والمُكلِف، إلى جهد جماعي بكلفة أقل. فالمسألة برمّتها تعتمد على كيفية إدارة الموارد المتاحة، قبل المخاطرة بتوسيع الاستثمارات وزيادة الموارد في ظل سوق استثماري غير مستقر، سواء لأصحاب رؤوس الأموال أو للمزارعين، الذين يضطرّون إلى تحمّل كلفة شراء المستلزمات الزراعية بالدولار أو بما يوازيه بالليرة وفق سعر صرف السوق السوداء.

فيكون التطبيق في هذه الحالة، وسيلة لتسهيل عملية الشراء بين المنتج والمستهلك، وباباً لأصحاب الحِرَف الصغيرة ومُصنّعي المونة المنزلية، لتسويق انتاجهم وجذب أكبر عدد من المستهلكين، الذين سيكتشفون عبر التطبيق أن عملية تسوّقهم باتت أسرع وأسهل، وأكثر قدرة على التعرّف على أكبر قدر من منتجات أصحاب المصالح الصغيرة، مع الاستفادة من الأسعار المنخفضة، والتي تتلاءم مع الوضع الاقتصادي الصعب، الذي بدوره سيلعب دوراً مساعداً في تقبّل الناس للأفكار الجديدة والمختلفة عن السائد في عملية التسوّق وعرض المنتجات، طالما أنها تؤدي إلى تخفيض كلفة التسوّق وأسعار السلع.

النجاح في الهند
نجاح تجربة الديلفيري في الهند في غضون أقلّ من سنتين، كان دافعاً كافياً للشركة للتفكير في إطلاق التطبيق في لبنان. فتدهور الأوضاع في لبنان وتراجع كلفة اليد العاملة مع تدنّي القيمة الشرائية للعملة، وارتفاع معدلات البطالة، جعل من البيئة الاستثمارية في الهند مشابهة إلى حدّ ما للبنان، وهو ما يشجّع بعض المستثمرين اللبنانيين على خوض المجازفة، إن كان الاستثمار لا يتطلَّب انفاق أموالٍ طائلة، كحال التطبيق الالكتروني.
ففي الهند، ساهم التطبيق في خلق مئآت فرص العمل للسائقين الذين حددوا مساراتهم عبر التطبيق، وخفَّضَ الكلفة التي سيدفعها المستهلك كأجرة الذهاب والإياب لشراء المنتجات، خاصة وإن كانت المسافة بعيدة. كما أن انتظام سير السائقين في مسارات ثابتة نسبياً، دفع المستهلكين إلى الاستفادة من التطبيق للاتفاق مع السائقين على نقل طلبات خاصة لا علاقة للتطبيق والشركة بها، وهذا متاح في النسخة اللبنانية. فالهدف هو خلق فرص عمل، وليس ملاحقة المستفيدين من التطبيق، والتدقيق بأي استفادة قد تتمّ من خلاله.

هذا النجاح ليس مجانياً، لكنه يراعي البيئة الزراعية التي يستثمر فيها. لذلك، لا تأخذ الشركة بدلاً مادياً لقاء عرض المنتجات عبر التطبيق، بل تتقاضى نسبة مئوية تُحسَم من مجمل الانتاج المباع عبر التطبيق.

الوجهة الأساس في ظل الأوضاع الاقتصادية هي إيجاد توليفة تناسب المنتجين والمستهلكين، فلا الأسعار المرتفعة تناسب المستهلكين، ولا تكدّس الانتاج وعدم تطويره وزيادته، تناسب المنتجين وصغار المصنّعين. ولذلك تبرز الحاجة لإيجاد حلول سريعة وأقل كلفة وقادرة على جمع مصالح الدائرة المرتبطة بالانتاج والاستهلاك من خلال تلقّي دعم من الدولة وايجادها مساحة مشتركة للعمل بينهم.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى