اخر الاخبار

مصطفى أديب.. لا إنه “سوبرمان”!

نادر فوز

مصطفى أديب، لوحة الخِزاقة الجديدة التي عليها سترمى السهام. كلّفت قوى السلطة أديب تشكيل الحكومة الجديدة في استشارات نيابية مؤجلة، معلّبة وموضّبة سلفاً. أعِدّت طبخة  التكليف بسرعة، بخفة، قبل عودة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماركون. ولولا زيارة الأخير لما كانت سُلقت على عجل، لكان طال أمد مكوث رئيس حكومة تصريف الأعمال في السرايا أكثر.
بقاء حسان دياب أم وصول مصطفى أديب، أيهما أفضل؟ سيناريو مختلف بنتيجة واحدة تقول إنّ السلطة، ومن فيها، يزرعون دمية جديدة ليحوموا فوقها كالغربان في حقل الانهيار والإفلاس والاشتباك والقتل. لم يفتح أحد، بعد، وعاء التكليف للنظر إلى داخله. لا وقت للتحقّق من استواء المكوّنات أو تلفها أو احتراقها. لا يهمّ، إنه وقت العمل والأمل بحسب ساعة الرئيس المكلّف القادم من برلين من دون الخضوع لفحص كورونا.

الدعاء الأول
لم يلتزم مصطفى أديب بالحجر المنزلي الذي تفرضه وزارة الصحة للوافدين، لا بل خالط الرئيس ميشال عون ونبيه بري وما تيسّر من إعلاميين وموظفين في القصر الرئاسي. لا يهمّ، المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتقه أبدى من ذلك. أو أنه ربما قد يكون راجع روزنامة الوزارة، واليوم الإثنين الفيروس في عطلته الأسبوعية. أو أنه ببساطة، اتّكل على الله ومشى. وكلمته من قصر بعبدا تشي بذلك، إذ ردّد عبارات “ندعو الله سبحانه وتعالى”، “باذن الله إيماننا ثابت بالله”، “الله وليّ التوفيق”، “ادعوا لنا بالتوفيق”. بأقل من دقيقتين عبر عن كل هذا الدعاء والرجاء والأمل بالنجاح. سرّ، فعين الله ترعاك. وكذلك عيون المنظومة الحاكمة إلى حين تقرّر غض الطرف عن مجموعات من الشبيحة هنا أو افتعال اشتباك مسلّح هناك بهدف التطويع ورسم الخطوط الحمراء. هل ستكون الحكومة الجديدة خالية من سياسيين؟ يرد: “بإذن الله”.

الكلام الأول
من برلين، سبق أن وصلت أخبار مصطفى أديب. مقرّب من الرئيس نبيه بري ويفتح مكاتب السفارة فيها لنشاطات حركة أمل. يفتح أبوابها أمام مسؤولي الحركة ولا يردّ طلباً لهم، ولا يترك مناسبة حزبية إلا ويشارك فيها، لا بل يصرّ على إلقاء كلمة فيها. مذاك الوقت كان أديب يتمرّن على الكلام. ومن يعرفه يقول إنه محترم ولبق ويزن كلامه، متخصّص ومستمع جيدّ. وهذه صفات دور المستشار الذي لعبه إلى جانب رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي. هل نحن أمام تجربة وزارية مستنسخة عن تجربة حكومة دياب؟ من وزير سابق تسلّق الأخير السلّم وأصبح رئيساً على حكومة مستشارين. وإذ بمستشار، تسلّق سلماً إلى منصب سفير، يركب مصعداً للوصول إلى السرايا الحكومية. لذا قد نكون أمام مشهد حكومي من نوع درك جديد يتخطّى حدّ تشكيلة مستشاري مستشاري القيادات السياسية.

الفعل الأول
أول ما قام به الرئيس المكلف، تفقّد الأضرار الناجمة عن جريمة 4 آب. فلقي الاعتراض والرفض والشتم بانتظاره أمام مبنى شركة الكهرباء. الناس لم يروا منه وفيه أي شيء بعد، إلا أنه مرفوض لما يجسّده. لا لشخصه ولا وجهه أو طائفته وسيرته. شاء أو أبى، هو ممثل المنظومة القاتلة التي أوصلت اللبنانيين إلى الإفلاس والانهيار والتفجير. هو أداة جديدة على نسق الأدوات السابقة، من النسيج نفسه. لم يدرك مصطفى أديب ذلك، حتى جاءه المشهد الاعتراضي الرافض له بين الجميزة ومار مخايل. “أنا من الشعب” قال، وانسحب بين أكتاف العناصر الأمنية التي تحميه. من قصر بعبدا حيث كانت الكلمة الأولى، ومن الجميزة حيث كانت هذه الكلمات الثلاث، يجد اللبنانيون أنفسهم أمام رئيس حكومة “متكّلم” آخر. يبدو أقلّ تكلّفاً وادعاءً واستفزازاً، لكن لا يهمّ. غير مرحّب بوجوده.

الوجه الأول
رئيس الحكومة العتيدة يقول إنه من الشعب. سحب فوراً وجه المواطن العادي ووضعه على رأسه. ولمن لا يعرف، للرئيس مصطفى أديب أخ توأم. مادة أخرى قد تستدعي دراستها. بات الرجل محطّ توافق الكتل والزعامات. ليس بمقدوره إخفاء هذا الوجه. نقطة تقاطع كل المنظومة الفاسدة، بمختلف تفرّعاتها السابقة بين 8 و14 آذار. وإن ساءت به الأحوال بإمكانه الحضور مع المحورين في الوقت نفسه. هو في محور، وتوأمه في الآخر. وهو بالأساس، لا يشكّل تهديداً لأي من القيادات. للرئيس ميقاتي، هو ابن البيت. وللرئيس سعد الحريري، محطة أخرى من مراحل الخروج من الحكم والسلطة. أهون الشرور عليه، وشريك أول وأساسي في تسميته. للثنائي الشيعي، شخصية مرموقة سبق وعبّرت عن امتنانها مرّات عدة خلال الخدمة الديبلوماسية في ألمانيا. وللتيار الوطني الحرّ، صفعة أخرى للغريم المستقبلي بتوسيع نادي رؤساء الحكومات السابقين، ومنع زعيمه من تبوء السلطة والسيطرة على السلطة التنفيذية.

أتى تكليف الرئيس حسان دياب على أنقاض انهيار الاقتصاد اللبناني. ويأتي تكليف الرئيس مصطفى أديب على أنقاض ما تبقى من النظام والمؤسسات، مصحوبة بركام تفجير المرفأ. ثمة من علّق على دياب فور تكليفه بالإشارة إلى صبغة شعره. واليوم، ثمة من يشير إلى الفرق في شعر أديب. تعرض المنظومة وجه أديب كمنقذ وساعٍ لانتشال البلد من أزمته. وفي كارثة وأوضاع مماثلة، لبنان بحاجة إلى رجل خارق. فرق شعر مصطفى أديب، شبيه بفرق كلارك كينت، نبيل فوزي، أو سوبرمان. لا يلبس نظّارات ولا يستر بزّته الخارقة تحت بدلته الرسمية. لكنه على الأكيد إن قرّر عرض تلك البزة الخارقة، سيكون مكتوب عليها حرف “س”، وتعني السلطة: إنه طائر، إنها طائرة، لا إنه سوبرمان! ولا حليف طبيعي للناس إلا رجل وطواط، ولا حليف للثورة إلا جوكر. 


اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى