اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

مرضى السرطان يعانون بصمت ولا دواء حتى إشعار آخر


كارين عبد النور

بين آلام مرضى السرطان الجسدية وجلجلة تأمين العلاجات اللازمة، يستفحل الداء بصمت فاتكاً بأجساد عددها أكثر من أن يُحصى ومتحكماً بأرواح ينهشها اليأس من تأمين وسائل الاستشفاء. نحن نعيش في بلد «تسرطنت» فيه ضمائر كثيرة حتى استحال «الموت مع وقف التنفيذ» نتيجة شبه حتمية للعديد من المرضى. فأيهما أصعب على المريض: الوقع الفيزيولوجي للمرض أم الوقوف بلا حول ولا قوّة أمام عدم توفّر العلاج؟ سؤال نحاول في ما يلي الإجابة عليه.

الحصول على الدواء أشبه

«بطلوع الروح»لم تستطع ريتا (اسم مستعار) أن تحبس دموعها. فوالدها نعمة في حياتها ووجوده بالقرب منها يعني لها الكثير. والد ريتا مصاب بمرض السرطان في الرأس كما في الرئتين، وقد صُنّف مرضه في المرحلة الرابعة، وهي طبياً مرحلة متقدّمة لا تهاون فيها مع رحلة العلاج. «كنت أقضي الليل أصلّي كي يُشفى والدي. أما اليوم، فأنا أصلّي كي أتمكن من تأمين دوائه المفقود». وجع ريتا الأكبر: إيجاد الدواء وسط تخبّط في تحديد المسؤوليات. هل هي الشركات المُصنعة أو الوكلاء الموزعين أو وزارة الصحة أو حتى مصرف لبنان؟ تقول ريتا، التي لا تفارق بالها لحظة تلقي خبر مرض والدها، أنها كانت دوماً تشعر بألم الآخرين، لكن «حين يصبح المرض داخل البيت، يختلف طعم الألم». وتصف رحلة الوجع بصوت أنهكه التعب قائلة: «خضع والدي لعملية جراحية منذ فترة بلغت تكلفتها 40 مليون ليرة لبنانية، أما جلسات العلاج الإشعاعي فقد تخطت كلفتها الـ10 ملايين ليرة، في حين وصلت تكلفة الدواء إلى 1.5 مليون ليرة، كل ذلك ولم يقم الضمان الاجتماعي بتغطية أيّ من المبالغ المذكورة حتى الآن». من ناحيته، لا يزال الوالد يخضع لعلاج دائم في المنزل عبارة عن تناول دواء يبلغ ثمن العلبة الواحدة منه 6 ملايين ليرة. لا تتوقف ريتا عند سعر الدواء بالرغم من أن الضائقة الاقتصادية تقف حاجزاً أمام تأمينه. فهي «مستعدّة للذهاب إلى آخر الدنيا والتخلي عن كل ما أملك لإنقاذ والدي، لكن المشكلة أصبحت في إمكانية الحصول عليه مهما كان سعره». ثم تسترسل في سرد تفاصيل المعاناة التي تمرّ بها في كل مرة تقصد أحد مراكز الضمان الاجتماعي. فإضافة إلى سوء المعاملة وعدم مراعاة ألم ذوي المريض، نيل موافقة الحصول على الدواء شبيهة «بطلوع الروح». وتضيف: «بعد الموافقة، نطلب شفاعة القديسين كي نجده. فتارة لم يُشحن بعد من الخارج، وتارة أخرى لم يوافق مصرف لبنان على شحنه، والمريض يعدّ الوقت بالدقائق والثواني والطاسة ضايعة». حاولت ريتا مراراً وتكراراً الاتصال بوزارة الصحة علّها تجد مخرجاً ما، كما قامت بإرسال بريدين إلكترونيين للوزارة تشرح فيهما الحالة الصحية الحرجة لوالدها وضرورة الاستمرار في تأمين علاجه، لكن من دون جدوى. والحال أنه في كلّ مرة يتوقف فيها الوالد عن تناول الدواء نظراً لعدم توفره، يجد نفسه في غرفة العناية الفائقة في ظلّ تدهور مستمرّ لحالته الصحية.

الوصول إلى الاستشفاء اللائق، من حيث المبدأ، حق من الحقوق المشروعة للمواطن. ليس في حالتنا للأسف. وهذا مثال آخر من صميم الواقع.

إحتضان الأصدقاء والمقربين علاج من نوع آخر

معاناة سمر (اسم مستعار) في جوهرها لا تختلف عن معاناة والد ريتا. هي التي خاضت مساراً عسيراً في مواجهة سرطان الكبد الذي انتشر في مناطق أخرى من جسدها، كانت على وشك أن تتماثل للشفاء، إلى أن استجدّت أزمة الدواء ولم يعد علاجها متوفراً أو مؤمناً. فرحتها لم تكتمل. فقد كان يلزمها بضع جلسات إضافية من العلاج الإشعاعي كي تنتصر في نهاية المطاف، لكن الأزمة الراهنة جاءت لتقضي على جلّ آمالها. تعيش سمر وحيدة. ما من معيل سوى محبة الناس لها. فـ»مريض السرطان بحاجة إلى الكثير من العطف والحنان والمحبة، والاعتماد على احتضان الأصدقاء والمقربين علاج من نوع آخر»، كما تقول. التكاليف اليومية التي تتكبدها إضافة إلى العلاج الدوري داخل المستشفى يكلّفها «المبلغ المرقوم». فهي تحتاج إلى عشر علب من الشاش المعقّم يومياً، يصل سعر العلبة الواحدة منه إلى 120 ألف ليرة بعد أن كان لا يتخطى الـ6 آلاف ليرة فقط منذ مدّة ليست بطويلة. أما الضمادات التي تستخدمها بانتظام لمداواة ما يلفظه جرحها المفتوح، وهي تحتاج إلى أكثر من ثلاث علب يومياً منه، فقد ارتفع سعر العلبة الواحدة من 120 ألف ليرة إلى مليونين وأربعمائة ألف ليرة. ثم هناك صورة الرنين المغناطيسي التي يجب أن تخضع لها باستمرار وقد وصلت تكلفتها إلى 12 مليون ليرة في حين تبلغ كلفة التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني (PET SCAN) 24 مليون ليرة. كيف تؤمنين هذه المبالغ الخيالية لإكمال رحلة العلاج، سألناها. «أعتمد على إيماني وثقتي بالله من جهة، ومن جهة أخرى فقد أنعم علي الرب بفاعلي خير كثر، يتقاسمون التكاليف في ما بينهم، إضافة إلى مبادرات شخصية من المحبين والأصدقاء». لكن خوف سمر اليوم لم يعد يقتصر على تأمين تكاليف العلاج وإنما على العلاج نفسه. فهي كانت على وشك أن تتماثل للشفاء و»فجأة قيل لي أن العلاج لم يعد متوفراً في المستشفى. عملت كل ما بوسعي وطرقت كل الأبواب التي أعرفها ولا أعرفها، لأن التوقف عن العلاج أخطر من عدم الإقدام عليه من الأساس، لكني لم أتمكن من تأمينه لغاية الآن». حالة سمر في تدهور مستمر. وأملها بالغد، رغم إيمانها المطلق، آخذ بالتضاؤل.
نداء الوطن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى