اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

آخر فضائح “الطاقة”: عمولات وهدر للملايين بأزمة المازوت المفتعلة

عزة الحاج حسن

لم يردع الانهيار الاقتصادي والمالي الحاصل اليوم السلطةَ، بأركانها وأزلامها، عن الإمعان في الفساد وعن استنزاف آخر دولارات الدولة، من دون أن يرف لهم جفن أمام مشهد الناس في الساحات، وأصواتها المطالبة بأدنى مقوّمات الحياة. يستمر البعض بابتداع الأساليب والحيل لتحقيق مكاسب مادية، وتعزيز حصص من ما تبقى من مغانم الدولة. ولعل ملف الطاقة من أكثر الملفات الدسمة التي يتقاسم غلّته القيّمون عليه وشركاؤهم على مر حكومات.

ثلاث بواخر
فضيحة جديدة ترتبط بملف الطاقة، تقف اليوم وراء شحّ مادة المازوت في البلد، وتعرّيضه لخطر العتمة وتوقف المولدات الكهربائية عن العمل، وربما إلى تعطّل العديد من القطاعات والمصالح القائمة على تلك المادة الحيوية.

لا تعود أزمة المازوت اليوم إلى تأخّر فتح الاعتمادات المالية، كما جرت العادة، ولا بسبب أزمة الدولار فحسب، بل لعدم إمكانية إجراء فحوص مخبرية، لعينات من الفيول المحمّل بالبواخر في عرض البحر.. نعم هناك ثلاث بواخر هيAsopos ،Crown Sea : British Cumulus محمّلة بالفيول، تقف في عرض البحر منذ آماد متفاوتة، تتراوح بين 22 يوماً و47 يوماً، لا يمكنها تفريغ حمولتها قبل إجراء الفحوص المخبرية لعينات منها، في المختبر العام التابع للدولة اللبنانية في منشآت طرابلس والزهراني، على الرغم من عدم أهليته.
ولأن المختبرات التابعة لوزارة الطاقة معطّلة، بسبب توقيف عدد كبير من العاملين لديها في قضية “الفيول المغشوش”، ولم يتم البت حتى اليوم بملفاتهم القضائية، لم تتمكن الشركات المستوردة للفيول من إدخال البضاعة إلى السوق اللبنانية، بسبب تعثّر إخضاع حمولة البواخر الثلاث للفحوص المخبرية في مختبرات المنشآت التابعة للوزارة.

ابتزاز القضاء.. والعمولة
وبدلاً من إسراع وزارة الطاقة إلى حل أزمة الفحوص المخبرية للفيول، وإرسال عينات منها إلى أحد المختبرات في الخارج، لتسهيل تزويد السوق بالفيول، اقتضت الوقاحة والاستخفاف بحاجات المواطنين بتأخير دخول البواخر، رغم تكبيدها للدولة نحو 4 ملايين الدولار، وتفريغ السوق من مادة المازوت. وتالياً، دفع التجار إلى احتكار المادة تمهيداً لبيعها في السوق السوداء. ويعزو متابع للملف تصرف الوزارة، إلى محاولة أحد الأطراف السياسيين الضغط من خلال أزمة المازوت، للإسراع في إطلاق سلاح الموقوفين في قضية الفيول الغشوش، وإغلاق الملف! كما لا يستبعد المصدر أن يتقاضى أحدهم عمولة من الشركات المصدّرة للحمولات الراسية على الشاطئ اللبناني، كما جرت العادة منذ سنوات. بمعنى ان تأخير دخول الحمولات من شأنه مراكمة الغرامات على الدولة، وتعزيز قيمة عمولة من يعرقل دخولها.
هذا السيناريو غير مُستبعد على الإطلاق. فحسب مستشارة تجمع الشركات المستوردة للنفط، دانيا عون، تكبدت الدولة حتى اليوم أكثر من 4 مليون دولار، غرامات على تأخير دخول البواخر. فالغرامات تتراوح بين 30 و40 ألف دولار عن اليوم الواحد، حسب كل باخرة. ما يعني أنه كان بإمكان وزارة الطاقة إجراء آلاف الفحوص في مختبرات خارج لبنان بالمبلغ المذكور. لافتة إلى أن هدر المال العام يبدأ من سوء الإدارة لهذا الملف، وتعمّد استغلال المال العام، “وبالنهاية تُبرم التسويات مع المصدّرين، ويتم كالعادة دفع العمولات للبعض تحت الطاولة”.

من السجن إلى المختبر؟!
تصف عون في حديثها إلى “المدن” ما يحصل بـ”المسخرة”. فالدولة تفرض على الشركات المستوردة للنفط إخضاع البضاعة للفحص في المختبر التابع للمنشآت. وهو غير مجهز ولا مؤهل لتلك الإختبارات، في حين يُمنع على الشركات إجراء الفحوص خارج لبنان، أو في مختبرات أخرى. “البواخر تقف في عرض البحر والسوق يعاني شح المازوت. ومنذ ثلاثة ايام توقفت المصافي عن التسليم وكذلك الشركات. ورغم ذلك، تنتظر الوزارة إطلاق سراح الموظفين لإجراء الفحوص في مختبراتها غير المؤهلة”. هذه فضيحة كبرى تقول عون. وتستغرب كيف يمكن لوزير الطاقة المتواجد في الوزارة منذ أكثر من 10 سنوات أن يكون جاهلاً لهكذا أمر، إلا إذا كان متعمداً لوقوع الأزمة.
وأفجع ما في الفضيحة إصدار قرار بسوق الموقوفين في ملف الفيول المغشوش إلى أماكن عملهم في المختبرات التابعة للوزارة لإجراء فحوص لعينات من البواخر قبل إدخالها إلى السوق على أن يُعاد الموقوفين إلى الحجز بعد إتمام مهامهم، والسؤال كيف يمكن الوثوق بفحوص يجريها متهمون لم يبت القضاء بأمر براءتهم ولا إدانتهم؟

انعدام الثقة
ومن المستغرب ما قاله وزير الطاقة ريمون غجر أمام رئيس الحكومة حسان دياب، عن استبعاد خيار إرسال عينات من الفيول إلى مختبرات في الخارج، بحجة ان الأمر يستغرق وقتاً طويلاً، في حين أن الفحوص في الخارج لا تستغرق أكثر من يومين فقط أو ثلاثة أيام كأبعد تقدير، وفق ما يؤكد مدير العمليات في الشركة المشغّلة لمعملي الذوق والجية، يحيى مولود، الذي لا يثق بالمختبرات التابعة للوزارة “ففحوص الفيول في مختبر المنشآت النفطية التابعة للوزارة لا قيمة لها. والمختبرات غير مؤهلة تقنياً. وهي تفتقد إلى الصيانة والتقييم السنوي. كما أن الموظفين لديها مشكوك بصدقيتهم. فلماذا لا تستعين الدولة بمختبرات خارج لبنان لإجراء الفحوص وتجنيب البلد الأزمة”، يسأل مولود، مؤكداً أن انعدام ثقته بمختبرات الدولة دفعته إلى الإستعانة منذ سنوات بأحد المختبرات في دبي، لاسيما أن مدة فحص العينة لا تتجاوز يومين إلى ثلاثة أيام بالحد الأقصى، وبتكلفة غير مرتفعة، تقل كثيراً عن غرامة يوم واحد تأخير لإحدى البواخر.
كلام مولود يدحض ادعاء وزير الطاقة بصعوبة إجراء فحص مخبري خارج لبنان، ويؤكد تالياً تعمد عرقلة الملف وتأخير تفريغ البواخر حمولتها، تحت ذرائع يصفها مولود بـ”التافهة” لإخفاء نوايا بترتيب صفقة جديدة.
ويبقى الخوف من صحة سيناريو تعمّد الدولة وشركات النفط بتجفيف السوق من مادة المازوت، تمهيداً لإقفال ملف الفيول المغشوش من جهة، وفرض زيادة رسم الـ5000 ليرة على الصفيحة من جهة أخرى.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى