اخر الاخباربريد القراء

مراكب الهجرة والموت المجاني وبعد… (حاطوم مفيد حاطوم)

سوف تظل فاجعة مراكب الموت تخيّم بظلالها السوداء على لبنان واللبنانيين لوقت ليس بالقصير. وسوف يقضي اللبنانيون وأهل الضحايا أياماً وأسابيع بحالها يحدقون في أمواج بحر غضوب قاتل لايرحم. يستنطقونه جثة أو خبراً، وعلى أبواب المستشفيات من ينتظر فحوص الحمض النووي. أما الكثرة من أهل الضحايا فمحكوم عليها بأن تنضم إلى قافلة أهالي آلاف المفقودين ممن لا يصدق أن الحبيب الغالي قد قضى إلا بعد أن يتعرّف إلى جثته أو بقاياه.
توقظ مثل هذه الفواجع في نفوس اللبنانيين موضوع الهجرة، بل قل تفتح جراحاً باتت تنزّ منذ قرن ونصف القرن من الزمن أو أزود.
للهجرة اللبنانية تاريخ طويل، وكل شيء مسخّر لتغييب دافع الضرورة والحاجة المعيشية… يستبدلها بطبيعة اللبناني المغامرة.
لبنان بلد فقير، ليس لأن الأكثرية من سكانه تحت خط الفقر. ولا لأنه ينتمي إلى نادي الدول ذات المديونية الأعلى في العالم. لبنان فقير إلى ما يتمتع به أغنياؤه سياسيين وغيرهم من ثروات، وخصوصا بالقياس للحجم الفلكي من عشرات المليارات من الدولارات التي كانت مودعة في مصارفه، وهُرّبت الى الخارج.
وليس المبالغة في الأمر بشيء يقال إن هذه الأموال التي هُرّبت هي المسؤولة أولاً وأخيراً، عن الأزمات الإقتصادية والمالية، التي تسببت بواحدة من أكبر موجات الهجرة والمغادرة في تاريخ البلاد بطرق غير آمنة.
لاحاجة للحديث عن وقف الهجرة هنا. يكفي الحديث عن الحد من النزف والسيطرة عليه. لكن كيف يتم ذلك في ظل نظام وحكومات لم تبد مرة اهتمامها بتنمية القطاعات المنتجة المستوعبة للعمالة…
ومن هنا، فتحت مراكب الهجرة والموت المجاني، باباً لتنقل مهاجرين فقدوا الأمل بالعيش الكريم في لبنان.
هاربين من نهم وجشع السياسيين وعصابات المصارف وحيتان المال، وكارتيلات المحروقات وكبار التجار المجرمين ومافيات متعددة الأشكال والمهام في الفساد، والصيرفة والتلاعب بسعر الدولار والمولدّات، لتحقيق المكاسب والمغانم لمصالحهم الشخصية..
ومما لاشك فيه، أن بعض المافيات التي تمتهن الاتجار بالبشر مستغلة الوضع المعيشي المزري فتنشط بشكل كبير، وتدعم الهجرة العشوائية، وتعمل على إغراء الفقراء بسيناريوهات وقصص وهمية تسرد بشكل جذاب لإقناعهم بالسفر عبر المراكب غير النظامية، الشديدة الاكتظاظ وغالباً ماتكون غير صالحة للإبحار، والتي اصبحت رائجة مؤخراً للاستفادة وتحقيق الارباح. 
أخيراً وليس أخراً، ما زالت المراكب تنطلق تباعا، علما ان من وصل الى السواحل الاوروبية سواء تم احتجازهم في مخيمات للاجئين التي تفتقر الى ابسط مقومات الحياة، أو تم تسليمهم الى بلدان أخرى تمهيدا لترحيلهم واعادتهم الى بلدهم، يعانون الامرين ويواجهون شتى صنوف العذاب.
البلد غريق فيما لم يتّخذ المعنيون في الحكم، اي خطوة بالاتجاه المطلوب للتخفيف من تداعيات شعبه، لا بل اتت كل الخطوات المتخذة عكس الانقاذ المطلوب، واغرقته اكثر واكثر، وكأنهم في عالم آخر”. ويعملون أيضاً، على تجويع الشعب بغرض تهجيره وعملية القضاء على ما تبقّى من مقدراته.
ومن هنا يأتي السؤال الأهم: هل من أجندة مخفيّة تهدف إلى تغيير ديموغرافية لبنان وإلى تحطيم شعبه للسيطرة على مقدّراته النفطية؟
لبنان لم يعد يحتمل مزيدا من المآسي، واللعب بحياة شعبه، وكأن الناس لا يكفيها الازمات التي تتوالد وتكاد تفقدهم انسانيتهم، حتى يأتي الموت المجاني ليضاعف من القهر الذي يعيشونه..
نعم البحر من ورائنا، والبحر من أمامنا، ونحن أعداء أنفسنا في استخدامه سعياً وراء حلم يائس بمستقبل أفضل.
لا شك في ان البحر يبكي مثلنا، على اخوتنا في الإنسانية، على الذين قفزوا بملابسهم الكاملة وهم لا يعرفون السباحة.

وللبقية تتمة…

حاطوم مفيد حاطوم
كاتب لبناني

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى