اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

تخريب الـ GPS فوق فلسطين المحتلة: الأقمار الاصطناعية تفضح هزيمة «إسرائيل»

أصبحت صور الأقمار الاصطناعية أداة بالغة الأهمية لتتبّع الأحداث الجيوسياسية، وللحصول على المعلومات وتشكيل الفهم العام للأحداث، عدا أنّها متاحة مجاناً في غالبية خدماتها على الإنترنت. هكذا، نجد مستخدمين يتتبعون حركة مطار معين في حادثة ما، أو يبحثون عن موقع سفينة في المحيط. ومع كل هذه البيانات الكبرى المتوافرة يومياً في عصر تهيمن عليه التقنية، أدّى عالم المعلومات الواسع والمترابط إلى ظهور استخدامات استخبارية للبيانات المتاحة على الويب من قبل المدنيين. أمر حاولت إسرائيل تخريبه منذ بداية حربها على قطاع غزة

مع بداية الحرب الروسية الأوكرانية، ظهر بوضوح ما بات يُعرف بـ OSINT، اختصاراً لـ Open Source Intelligence أي استخبارات المصادر المفتوحة. وبتنا نجد حسابات متخصّصة في هذا الشأن على منصة X (تويتر سابقاً)، تحلّل مجموعة واسعة من البيانات، بدءاً من حركة الترندات على منصات التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية وحتى المقالات والسجلات العامة وصور الأقمار الاصطناعية وحركة مرور الإنترنت. تكمن قوة OSINT في قدرتها على توفير تقييم للتهديدات وأبحاث استقصائية في الوقت الفعلي، ما يؤمّن تحليلاً وتفسيراً لمجريات الحروب قد تناقض البروباغندا التي يبثها طرفا النزاع، وتقدّم تقديراً أقرب إلى الواقع لما يحدث على الأرض.

نشطت الحسابات المتخصّصة في استخبارات المصادر المفتوحة على نحوٍ كبير مع بدء الحرب الروسية الأوكرانية. استخدمت هذه التقنيات والأساليب مؤسسات إعلامية كبرى، فكانت السبب الرئيس لدحض مزاعم وأخبار ملفّقة انتشرت كالنار في الهشيم على السوشال ميديا. وبعد عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأوّل (أكتوبر) الماضي، وانطلاق حرب إسرائيلية همجية على شعب غزة المحاصر، حاول العدو منع حسابات الـ OSINT من الحصول على المعلومات عبر تخريب التقنية التي تقدم البيانات. على سبيل المثال، عطّلت شركة غوغل حركة مرور بيانات «خرائط غوغل» في كيان الاحتلال وقطاع غزة بعد طلب جيش الاحتلال ذلك من الشركة، وفقاً لتقرير نشرته «بلومبيرغ» في 23 تشرين الأوّل 2023، أي قبل أيام من الغزو البري للقطاع.

ولفهم حاجة جيش الاحتلال لذلك، يمكننا أن نتخيّل شارعاً مزدحماً بالسيارات التي يقودها أناس يحملون هواتفهم الذكية. ترسل الهواتف إلى غوغل باستمرار بيانات عن مكان وجودها، وبالتالي إذا وجدت عدداً كبيراً من الهواتف الذكية في شارع معيّن، ستعتبر «خرائط غوغل» أنّ الشارع يعاني من ازدحام مروري. وعلى الهامش، في مطلع عام 2020، خدع فنان ألماني «خرائط غوغل» لتظهر حركة ازدحام مرور عن طريق جر عربة مليئة بالهواتف الذكية. المهم، يحمل جنود جيش الاحتلال هواتفهم الذكية، حتى إنّ بعض مراكز الاستخبارات توفّر لهم المعلومات عبر تطبيق «واتساب». وبالتالي، فإنّ تجمّع هؤلاء الجنود في أماكن معينة حول قطاع غزة أو داخله، سيظهر حركة ازدحام مروري على «خرائط غوغل»، وهو أمر ستتنبّه إليه حسابات استخبارات المصادر المفتوحة وربّما أيضاً المقاومة الفلسطينية في حال كانت تجمع معلومات من مصادر مماثلة، إضافة إلى مصادرها التقليدية. علماً أنّ تطبيق الخرائط التابع لشركة آبل، امتثل بدوره لطلب الجيش الإسرائيلي.

لم يكن ما سبق سوى البداية. وفقاً لتقرير نشرته صحيفة «بوليتيكو» في 23 تشرين الأوّل، خرّب جيش الاحتلال نظام تحديد المواقع الجغرافية بالأقمار الاصطناعية (GPS) فوق شمال فلسطين المحتلة، في محاولة لمنع وصول الصواريخ الدقيقة أو المسيرات من المقاومة اللبنانية إلى أهدافها. نظام الـ GPS هو طريقة للانتقال بكفاءة من النقطة «أ» إلى النقطة «ب» أكان ذلك شخصاً يتنقل أو طائرة مدنية أو صاروخاً أو مسيّرة انقضاضية أو استطلاعية. إلا أنّ هناك بعض العيوب في استخدام هذه التكنولوجيا، إذ يمكن لهذا النظام أن يصبح عرضة للهجمات السيبرانية عبر تقنية تخريب الإشارة تدعى «تقنية خداع نظام تحديد المواقع» (GPS spoofing). يتحقّق ذلك عندما تُرسل إشارة راديو مزيّفة إلى هوائي جهاز الاستقبال للتصدّي لإشارة القمر الصناعي لنظام تحديد المواقع العالمي وتجاوزها. هكذا، يصبح مستحيلاً تثبيت الوجهة المُراد الانتقال إليها في مكان جغرافي محدّد عبر النظام. والجدير ذكره هنا بحسب «بوليتيكو»، أنّ «إسرائيل» تسببت في اضطرابات في مجالها الجوي الشمالي، ما جعلها ترسل تحذيرات إلى شركات الطيران المدنية بعدم اعتمادها على الـ GPS للهبوط.


بدأ تقييد صور غزة في السادس من نوفمبر

في 27 تشرين الأوّل الماضي، نشرت وكالة «أسوشييتد برس» صوراً من الأقمار الاصطناعية لقطاع غزة تظهر آثار القصف داخل غزة. وفي 31 من الشهر نفسه، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» ما اعتُبر سبقاً صحافياً، وهو عبارة عن صور عدة عالية الوضوح والجودة، تظهر تموضع آليات العدو داخل غزّة من ثلاث جهات، مع آثار خطوط سير المجنزرات على الأرض، إضافة إلى آثار الدمار والقصف الهائل الذي طال كل شيء. وأبرز الشركات التي قدّمت تلك الصور وغيرها عن حرب إسرائيل على غزة، هما Planet Labs و«Maxar Technologies. بعد انتشار التقرير، بدأ المزوّدون الرئيسيّون لصور الأقمار الاصطناعية لصالح المؤسسات الإخبارية والباحثين الآخرين بتقييد صور غزة، وفق ما نشره أوّلاً موقع semafor في السادس من تشرين الثاني (نوفمبر) الحالي. حتى إنّ Planet Labs أزالت بعض الصور الأخيرة لقطاع غزة من معرض الصور القابلة للتنزيل من موقعها الإلكتروني، ووُزِّعت بدلاً من ذلك على وسائل إعلام محددة عبر «غوغل درايف». وأبلغت الشركة المشتركين بخدماتها أنّه أثناء «الصراعات النشطة، قد يتم تعديل بعض الصور الأرشيفية».

أمر تأكّد منه موقع semafor بعد تحدّثه إلى المشتركين الذين أوضحوا له أنّهم لم يتمكنوا من الوصول إلى صور عالية الدقة لغزة منذ 22 تشرين الأوّل. وفي الوقت نفسه، واصلت Planet Labs وغيرها من الشركات تزويد المؤسسات الإخبارية بصور للقطاع المحاصر مع تأخير زمني كبير. ويظهر التأخير في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» في 5 تشرين الثاني يعرض صوراً داخل غزة من 3 تشرين الثاني. وفي 4 تشرين الثاني، شاركت صحيفة «ذا غارديان» صوراً التُقطت في 30 تشرين الأول. وعلى الرغم من حجب تلك الصور أو تأخيرها، أفاد موقع defenseone المتخصص في شؤون العسكر، في الثامن من الشهر الحالي، بأنّ حكومة الولايات المتحدة أكدت أنّها لن تفرض قيوداً على هذه الشركات. وبالتالي، ليس واضحاً سبب إيقاف تلك الشركات خدماتها وتأخيرها، والجهة التي مارست ضغوطاً عليها في هذا الصدد. لكن الأكيد والواضح أنّ الأمر يصبّ في مصلحة كيان الاحتلال وجيشه.

الأخبار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى