اخر الاخبار

فضيحة إعاقة وصول مساعدات من إيطاليا: “فيفتي-فيفتي” أو تُعرقَل!

نادر فوز

قبل حوالى أسبوعين، تم توزيع أطنان من المساعدات على المواطنين اللبنانيين المنكوبين وغير المنكوبين، تبيّن بعد ساعات على توزيعها أنها منتهية الصلاحية. وبرّرت السلطات المعنية الخطأ بأنّ المساعدات جاءت موضبة ومفروزة، فتم العمل على صرفها بأسرع وقت ممكن، من دون إجراء رقابة أو تدقيق بها. فنجت مئات العائلات من السيءّ، في الانفجار، والأسوأ في المساعدات الإغاثية.

في مطار رفيق الحريري الدولي، أكثر من 500 كيلوغرام من الأدوية عالقة منذ 12 يوماً، بحجج مختلفة ومتباينة، تتطوّر يوماً بعد آخر. وبعد حملات التضرّع الرسمي وطلب المساعدات منذ تفجير 4 آب، وقبله في أزمة وباء كورونا، يتّضح أنّ بعض المسؤولين اللبنانيين لم يمارسوا إلا فعل التباكي لغايات سياسية عامة أو حتى انتخابية. لفك حصارٍ ديبلوماسي هنا، أو توظيف المساعدات لغايات شخصية وانتخابية. هذه الخلاصة الأولية التي يمكن استنتاجها من قضية نصف طن من المساعدات الطبية العالقة في المطار.

فيفتي -فيفتي
منتصف تموز الماضي، أطلق الطبيب اللبناني المقيم في إيطاليا أيمن اسماعيل، حملة تبرّعات لمساعدة لبنان لتخطي أزمة كورونا. وتجاوب مع الحملة هيئات وجمعيات إيطالية ومواطنون عاديون قدّموا التبرعات المالية أو حتى العينية، لتأمين أدوية مناسبة تساعد اللبنانيين في محتنهم. فكان تواصل بين أيمن ومستشار وزير الصحة رياض فضل الله، وقال الأخير لأيمن “يجب إرسالهم إلى الوزارة، إذا لم يدخلوا عبرها سيترتّب عليك تسديد رسوم جمركية”. ويقول اسماعيل لـ”المدن”: “أكدت للسيد فضل الله أنّ الشفافية والمصداقية تستوجب التدقيق في عملية توزيع الأدوية. وهي مخصصة للناس، على أن يتم توزيعها عبر جمعيات محدّدة، يثق بها المانحون، وهي النجدة الشعبية. فردّ عليّ قائلاً لا مشكلة. تدخل المساعدات من خلال الوزارة، ونتقاسمها 50-50، 50 توزعها الجمعيات و50 الوزارة”. أي مبدأ “فيفتي-فيفتي”، والكل يربح.

أرسلها إلى بئر حسن
وافق اسماعيل على الصيغة مع اشتراطه التدقيق شخصياً في عملية توزيع الوزارة للمساعدات، “بأن أكون حاضراً للتأكيد على الشفافية، وأن تشمل المساعدات كل الناس من مختلف المناطق والطوائف من دون أي اعتبارات شخصية أو سياسية”. وهنا اختفى فضل الله عن السمع. لم يعد يردّ على الاتصالات ولا الرسائل، “حتى أنه قال لي أرسل المساعدات إلى بئر حسن”! من دون ورقة تثبّت نقل مئات كيلوغرامات من الأدوية. طلب فضل الله من اسماعيل إيصال المساعدات إلى مبنى الوزارة في منطقة بئر حسن. وهو طلب يشي فعلياً بكيفية تعامل مسؤولين في الدولة اللبنانية مع ملف المساعدات الآتية من الخارج. استسهال، لا مسؤولية، لا شفافية ولا رقابة، المهم وضع اليد على المساعدات والتصرّف بها. في حين أنّ حملة التباكي الرسمي على سوء الأوضاع الصحية في لبنان تتصاعد.

أخ الوزير
مع وقوع تفجير 4 آب، جمع أيمن اسماعيل أكثر من 1400 كليوغرام من الأدوية في إيطاليا. اشتدّ التجاوب الإيطالي مع حملة جمع المساعدات، وقرّر إرسال جزء منها إلى بيروت. فتم الأمر، “إذ نقل طيران الشرق الأوسط، مشكوراً، أكثر من 500 كيلوغرام من الأدوية من دون أي كلفة”. وصلت هذه الشحنة إلى بيروت يوم 20 آب، وعلقت في المطار بعد تأكيد الجهات المختصة في مديرية الجمارك على ضرورة تحصيل أوراق رسمية من وزارة الصحة! فجرى تواصل بين أيمن ومسؤول فحوص الـPCR في الوزارة، وائل حسن، وللمناسبة هو أخ الوزير حمد حسن. اجتمع الرجلان في الوزارة، “وأخذ وائل حسن مهمة إصدار الأوراق اللازمة على عاتقه، إلا أن بدأ يطرح الأسئلة، وبدا لي أنه يعرقل دخول المساعدات، إلى أن وضع الملف بعهدة إحدى الموظفات وانسحب من الموضوع”.

لمَ التشهير؟
بعد انسحاب حسن من الملف، تسلمّه المدير العام في الوزارة فادي سنان. فباشر متابعته بمقابلة إسماعيل قائلاً “لماذا شهّرت بنا على وسائل التواصل الاجتماعي؟”. إذ كان اسماعيل قد نشر فيديو يقول فيه إن المساعدات عالقة ويطلب تدخّل المعنيين لحلّ المسألة. وبناء على الفيديو حصل التواصل مع الوزير حمد حسن وبعده أخيه وائل لتحريك الملف وإدخال المساعدات. بدأ الجانب الشخصي يطغى على المسألة، إضافة إلى الجوانب السياسية الأخرى التي تهدف إلى توظيف المساعدات وتوزيعها لصالح هيئات معيّنة أو أشخاص محددين، وفق مبدأ “فيفتي-فيفتي” المذكور أعلاه. وقّع سنان على الكتاب الرسمي وأحيل الطلب إلى التفتيش الصيدلي في وزراة الصحة.

التفتيش الصيدلي
وهنا معضلة أخرى، “إذ أنه بعد الاتصال بمدير التفتيش الصيدلي في الوزارة، قال لي إنّ ثمة 70 ملاحظة على الشحنة”، بحسب اسماعيل. بعد تأجيل لأيام “تم إرسال شخصين من قبل التفتيش الصيدلي لمعاينة المساعدات، وكان أول تعليق لأحدهم: شكل الشنط مش حلو”، يقول أيمن اسماعيل. طلب الأخير من المعنيّين فحص الأدوية والقيام بواجباتهم بهدف تسريع العملية، “وتبيّن إثر المعاينة وجود علبتتي أدوية منتهية الصلاحية في 8 شنط، و15 علبة من دواء ناركوتكس وهي من مشتقات المورفين من أصل 530 كيلوغراماً من الأدوية، مع العلم أنّ التداول بهذا الدواء مسموح في إيطاليا”. أنهى المفتّشون عملهم.

حجج مختلفة
ومن بين الحجج التي أشار إليها المسؤولون في وزارة الصحة، وجود أدوية منتهية الصلاحية (كميّتها المحدودة مذكورة أعلاه)، وجود أدوية مورفين بحاجة إلى ترخيص (كميّتها المحدودة مذكورة أعلاه). ثم برزت معضلة أخرى إذ أشاروا إلى أنّ “ثمة أدوية تقوم الشركات الإيطالية بتصنيعها مع شركات إسرائيلية”. فطلب اسماعيل من المعنيين في الوزارة “منع دخول كل الأدوية التي حولها ملاحظات، تلفها أو تخزينها في المطار، وإدخال عشرات الكيلوغرامات الأخرى”. وتؤكد مصادر رسمية في الدولة اللبنانية، لـ”المدن”، على أنّ “موضوع المساعدات الآتية من إيطاليا محطّ بازار شخصي وسياسي. وفي ظرف سياسي واجتماعي واقتصادي وكارثي مماثل، غير مفهوم سبب العرقلة سوى أنه للتوظيف السياسي”. إذ يمكن أن تقوم الوزارة بتوزيع المساعدات على هيئات وجمعيات محسوبة سياسياً على جهات معيّنة، لتنفّذ خدمات سياسية على حساب الجميع.

في بلد يتمّ فيه تزوير الأدوية وتزوير تواريخ  صلاحيتها وصلاحية الغذاء وفضائحه، حتى تزوير أدوية السرطان، يتم التعامل في ملف المساعدات على هذا الشكل. يعرف اللبنانيون هذا الواقع، وأكدت عليه كل الجهات المانحة والمنظمات الإغائية الدولية التي أصرّت على تسليم المساعدات لهيئات لبنانية غير حكومية. هذا كوكب للفساد على كوكب الأرض.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى