اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

هل يسعى ميقاتي إلى زيادة ساعات التغذية بالكهرباء أم خفضها؟

بعد كل هذا السجال حول بواخر الفيول، والمخزون، وتحويل الليرات التي جمعتها «مؤسسة كهرباء لبنان» إلى دولارات، وسوى ذلك، ثمّة سؤال أساسي يجب على رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، وسائر قوى السلطة، الإجابة عليه: هل يريدون زيادة ساعات التغذية بالكهرباء، أم خفضها وصولاً إلى العتمة التي اختبرها المقيمون في لبنان أكثر من فترة وعلى فترات زمنية طويلة نسبياً؟ حتى الآن، الإجابة أن هذه السلطة تسعى للعتمة حصراً، في سياق صراعاتها السياسية، بين من يريد أن يفرض على التيار الوطني الحرّ المشاركة في جلسات مجلس الوزراء، ومن يريد أن يردّ الضربة. فإذا كان المخزون يكفي لشهر بتغذية أربع ساعات يومياً في المتوسط، وكانت بواخر الفيول العراقي تكفي لشهر أيضاً بالوتيرة نفسها، فإن التدقيق في مسألة المخزون يعادل القول بأنّه يجب أن نضع العتمة كخيار أساسي ضمن سلّة الخيارات المتاحة.

في الواقع، لم يكن تأمين الكهرباء أولوية عند الحكومات المتعاقبة. في السابق، عندما كانت العملة الصعبة متوافرة، والخطط مكتملة وجاهزة للتنفيذ، فضّلت هذه القوى هدرَ عشرات مليارات الدولارات من المال العام، على اللاشيء. وبدلاً من الاستثمار في قطاع الكهرباء، لتأمين استدامته وتحويله إلى قطاع مربحٍ لخزينة الدولة، بدّدت الأموال على دعم عشوائي لفاتورة الكهرباء، وعلى مشاريع مؤقّتة ومصالح ضيّقة. وبطبيعة الحال، من أهدرَ الفرص عندما كانت كلّ الإمكانات طوعَ أمره، لا يُعوّل عليه اليوم ليس في انتشال القطاع من أزمته فحسب، بل حتى في تسييره بالحدّ الأدنى؛ أي تأمين 4 ساعات كهرباء!

على الورق، وافق مجلس الوزراء بعد سقوط البلاد في العتمة الشاملة العام الفائت، على «خطّة طوارئ وطنية» كان أقصى طموحها رفع التغذية تدريجياً إلى 8 – 10 ساعات يومياً. وذلك يستلزم تأمين سلفة خزينة بـ600 مليون دولار، لتكون بمثابة «رأس مال تشغيلي» لفترة تراوح بين 5 أشهر و6 أشهر. لكن «مصرف لبنان» لم يوافق سوى على 300 مليون دولار منها، ما استدعى خفض عدد ساعات التغذية المقترحة إلى ما بين 4 ساعات و6 ساعات يومياً. وهو ما حصل بالفعل خلال الأشهر الفائتة، إلى حين اصطدام «مؤسسة كهرباء لبنان» بامتناع «مصرف لبنان» عن تحويل تريليونات الليرات التي جبَتها من الزبائن بعد زيادة التعرفة، إلى دولارات. والسبب انخفاض ما في حوزة المصرف من دولارات واتخاذ إدارته الجديدة قراراً حاسماً بعدم مدّ اليد إلى احتياطي العملات الأجنبية من دون إجازة قانونية من مجلس النواب، عدا هاجس الحفاظ على الاستقرار الهش في سعر الصرف.

بمعزل عن أهمية الأسباب والظروف، إلا أنه في النتيجة، لم يعد بإمكان المؤسّسة تسديد التزاماتها تجاه مُقدّمي الخدمات والمورّدين، ولا شراء حاجاتها من الفيول والمازوت لزوم توليد كهرباء يكفي لما بين 4 ساعات و6 ساعات تغذية يومياً. ما يعني، باختصار، العودة إلى العتمة الشاملة. وهو ما اختبره اللبنانيون والمقيمون الأسبوع الفائت عندما أطفأت شركة «PRIMESOUTH» المشغّلة لمعملَي دير عمار والزهراني المجموعتين احتجاجاً على عدم تسديد مستحقاتها. وبعد إعادة تشغيل المعملَين بناءً على تعهد شفهي من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بالتسديد، بدأت تكال الاتهامات إلى وزير الطاقة والمياه وليد فياض بأنه يستورد شحنات من المحروقات فيما خزانات الوزارة ملأى وفوقها سيأتي الفيول العراقي. ليأتي بعد ذلك تهرّب اللجنة الوزارية المكلّفة بملف الكهرباء من حل مشكلة عدم فتح «المركزي» اعتماد باخرة الغاز أويل التي تمّ استيرادها، بعد إجراء مناقصة أجازها مجلس الوزراء!

في المقابل، ردّت الوزارة بأن كميات الفيول الموجودة «تكفي لأقل من شهر، بحسب مؤسّسة كهرباء لبنان، المعنية الأولى». وهي أكّدت أن ثمن حمولة الناقلة البحرية «ARDMORE» التي تنتظر فتح الاعتماد المستندي للبدء بالتفريغ «مُؤمّن ويمكن تغطيته، أكان بواسطة السلفة المعطاة بموجب قرار مجلس الوزراء كرأسمال تشغيلي لمؤسسة كهرباء لبنان والبالغة قيمتها 300 مليون دولار، والتي استُخدم منها فقط نحو 193 مليون دولار، وبالتالي يتبقّى منها نحو 107 ملايين دولار، أو بواسطة أموال الجباية بالليرة اللبنانية للمؤسسة التي تتكدّس يومياً في حساباتها لدى مصرف لبنان، من دون أن يتم تحويلها إلى دولار أميركي وفق الآلية المحددة من مصرف لبنان». وشدّدت الوزارة على أنه «لا استدامة في تنفيذ خطة الكهرباء وزيادة التغذية، دون استيراد الفيول إضافةً إلى الفيول العراقي».
بشكل أوضح، لا يمكن الحفاظ على الحدّ الأدنى من التغذية، من دون دولارات يمكن تأمينها، في حال توفرت الإرادة السياسية لذلك. ووفق مصادر مطّلعة على النقاش الدائر بين «المركزي» ووزارة الطاقة حالياً، يمكن تأمين الدولارات التي تحتاج إليها المؤسسة، على سبيل سلفة خزينة، من حساب الخزينة بالعملة الصعبة، المكوّن من أموال السحب الخاصة (125 مليون دولار)، إضافةً إلى ما تجبيه الدولة من عملات صعبة (مطار، مرفأ…). وفي موازاة ذلك، يقوم المصرف بتحويل ليرات المؤسسة إلى دولارات عبر شرائها من السوق، وفق آلية وجدول زمني لا يتسببان بزعزعة استقرار سعر الصرف. ومن ثمّ، تقوم بإعادة الدولارات المحوّلة إلى حساب الخزينة من جديد. وهو ما يضمن في النهاية عدم المس بدولارات المصرف ولا الخزينة، مع الحفاظ على استقرار سعر الصرف. وتشير التقديرات إلى قدرة المصرف حالياً على شراء ما معدّله مليون دولار يومياً من السوق، وهو تمكّن فعلياً منذ تسلّم الحاكم بالإنابة وسيم منصوري من شراء أكثر من 100 مليون دولار. علماً أن على الدولة التزامات بالعملة الصعبة غير الكهرباء، أبرزها: رواتب موظفي القطاع العام. ومع ترجيح انخفاض قدرة المصرف على شراء الدولارات من السوق خلال الفترة المقبلة، نتيجة انخفاض حجم الكتلة النقدية بالدولار بعد انتهاء موسم الاصطياف.

في النتيجة، لا يزال اجتراح الحلول وتمرير المرحلة الراهنة أمراً ممكناً، في حال إبعاد الملف عن النكايات السياسية وتوفّر الإرادة لذلك، وإلّا فإن العتمة الشاملة عائدة حتماً. مع التأكيد أن لا حلّ لأزمة الكهرباء من خارج حلّ اقتصادي شامل يعالج جذور الأزمة التي يرزح تحت ثقلها البلد منذ عام 2019.

الأخبار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى