اخر الاخبارعربي ودوليهام

فرنسا: أصوات المسلمين تعود إلى واجهة المشهد الانتخابي

باريس: ميشال أبونجم
بعد مسائل القوة الشرائية والتضخم وسن التقاعد والحرب في أوكرانيا والعلاقة مع الاتحاد الأوروبي وروسيا والحلف الأطلسي، عاد الإسلام ليكون باباً للجدل بين المتأهلين الاثنين (للدورة الثانية الحاسمة) للانتخابات الرئاسية الفرنسية التي ستجرى يوم الأحد 24 أبريل (نيسان). وملف الإسلام يتداخل بطبيعة الحال مع ملف الهجرات وقد شكلا معا جزءاً كبيراً من الدعاية الانتخابية لمرشحي اليمين المتطرف، أكان ذلك أريك زيمور أم مارين لوبن أم نيكولا دوبون دينيان. الأول كان الأكثر فظاظة وجذرية والثانية سعت، على الأقل في الشكل، لتهذيب صورتها وربما عملاً بمبدأ التقية. أما الثالث، فقد بقي في العموميات ملتحفاً مبادئ الجمهورية.


اليوم، بقي في الميدان الرئيس إيمانويل ماكرون الطامع بولاية ثانية ومارين لوبن، الساعية لوضع حد لسلسلة هزائمها الرئاسية في العام 2012 و2017. والمنافسة هذه المرة مع الرئيس ماكرون تختلف كثيراً عن العام 2017 حيث تفوق الأخير عليها بفارق 32 نقطة. والحال أن ما تأتي به استطلاعات الرأي يبين أن الفارق تقلص كثيراً. إذ أظهرت تحقيقات ثلاث مؤسسات (أيفوب وبي في أي وأيبسوس -ستيريا – سوبرا) أن ماكرون سيحصل على نسبة تتراوح ما بين 54 في المائة و55 في المائة من الأصوات مقابل 45 في المائة و46 في المائة لمنافسته اليمينية المتطرفة. ولذا، فإن السباق حامٍ بين الطرفين حيث يسعى كل منهما لتوسيع قاعدته الانتخابية ومحاولة اجتذاب الناخبين بالتركيز على الذين قاطعوا الدورة الأولى (25 في المائة) أو الذين صوتوا لمرشح اليسار المتشدد جان لوك ميلونشون الذي اجتذب ما يزيد على 7 ملايين ناخب. من هنا، تبرز أهمية «الصوت المسلم». وعلى الرغم من أنه لا إحصائيات دقيقة حول عدد المسلمين أو المتحدرين من عائلات مسلمة أو عدد الناخبين المسلمين، فإن المتعارف عليه أن ما بين خمسة وستة ملايين مسلم موجودون في فرنسا ما يجعل الإسلام الديانة الثانية في هذا البلد والجالية المسلمة فيه الأكبر في كل أوروبا. وتبين استطلاعات الرأي التي أجريت بعد الدورة الأولى، أن نسبة كاسحة من الناخبين المسلمين (69 في المائة) صوتوا لصالح ميلونشون الذين رأوا فيه الأقرب لاهتمامات ومشاكل المسلمين، لا بل المدافع الشرس عنهم بوجه الحملات العنصرية اليمينية المتطرفة أو التي تستهدفهم أو القوانين والإجراءات التي أقرتها حكومات الرئيس ماكرون منذ العام 2017 وأبرزها قانون «الانفصالية الإسلاموية» وتسميته الرسمية «تعزيز مبادئ الجمهورية».
وبالمقابل، فإن ماكرون حصل على 22 في المائة من أصواتهم. وأعطى الناخبون الكاثوليك نسبة عالية من أصواتهم لليمين المتطرف (40 في المائة). فيما وفر البروتستانت نسبة 36 في المائة للرئيس ماكرون.
وفي الأيام القليلة الماضية، تواترت دعوات المنظمات والشخصيات اليهودية للتصويت لصالح الرئيس المنتهية ولايته.
السؤال اليوم يدور حول هوية المرشح الذي سيحظى بأصوات المسلمين. وكان ميلونشون قد سارع لدعوة ناخبيه لـ«ألا يذهب صوت واحد إلى مارين لوبن». وسبق لميلونشون وحزبه (فرنسا المتمردة) أن تعرضا لحملة تنديد من اليمين المتطرف وبعض اليمين الكلاسيكي (حزب الجمهوريون) اللذين دأبا على تسميتهما بـ«الإسلامويين اليساريين».
وتقول الكاتبة إليزابيت ليفي، المصنفة في خانة اليمين، إن هناك في فرنسا «اقتراعا طوائفيا» لا بل «حزبا إسلاميا» مرده الهوية الدينية التي تدفع الناخب إلى الاقتراع وفقاً لانتمائه الديني. ودليلها على ذلك أن مدناً تعيش فيها جاليات مسلمة – عربية عديدة، جعلت من ميلونشون «خيارها الأول»، مشيرة إلى رسالة نصية تم تداولها قبل الجولة الأولى بشكل واسع على تطبيق واتساب وتلغرام جاء فيها: «ميلونشون المرشح الوحيد الذي يهتم بحرية المسلمين» ما يعني ضمناً أن حرية المسلمين غير متوافرة على الأراضي الفرنسية.
وفي الأيام الأخيرة، عاد ملف الإسلام إلى دائرة الضوء ولكن هذه المرة من زاوية السماح بارتداء الحجاب للفتيات والنساء المسلمات. وأمس صباحاً، حصلت مبارزة عن بعد بين لوبن وماكرون. الأولى تعتبر أن منع الحجاب في الفضاء العام (في الشارع والساحات والمحلات التجارية والشواطئ أي في كل مكان يتجمع فيه الجمهور) «أمر أساسي» و«الأكثر إلحاحا». علماً أن القوانين الفرنسية المتعاقبة منذ عشرين سنة منعت ارتداء الحجاب (وليس البرقع الممنوع تحت طائلة العقوبة) في المدارس الابتدائية والتكميلية والثانوية والدوائر الحكومية. إلا أن محاولة منع ارتدائه في المعاهد العليا والجامعات فشلت أكثر من مرة. وترى لوبن في الحجاب رمزاً دينياً لا يتناسب مع علمانية الدولة الفرنسية. إلا أنها في برنامجها الانتخابي الذي ينص على منع الحجاب، لا تقترب من القلنسوة التي يرتديها الرجال اليهود. ووفق لوبن، فإن الإسلامويين هم الذين يفرضون ارتداء الحجاب كوسيلة لاستعباد المرأة، وهم يمارسون الضغوط عليها لإجبارها على الخضوع لرؤيتهم للإسلام. وبعكس أريك زيمور، وترى المرشحة اليمينية أنه يتعين سن قانون يفرض غرامة مالية على المرأة التي ترتدي الحجاب في الشارع بحيث لا يعود الحجاب متاحاً إلا في الفضاء الخاص (أي المنزل). بيد أن الحجاب ليس سوى «تفصيل» في نظرة لوبن وهي تضعه في إطار محاربتها لـ«الإيديولوجيا الشمولية الإسلاموية»، واعدةً باستصدار قانون لمحاربة الأصولية.
حقيقة الأمر أن لوبن، كما زيمور، تنطلق من اعتبار أن هناك رابطاً عضوياً بين الهجرات وبين الإسلام والتبعات المترتبة. ولذا، في برنامجها الانتخابي، تدعو إلى اتخاذ تدابير تخفف من تيار الهجرة لا بل تحرم الذين ولدوا على الأراضي الفرنسية من الحصول الآلي على الجنسية الفرنسية، وتمنع لم الشمل العائلي وتعطي الأولوية في التوظيف والسكن والرعاية الاجتماعية للمواطنين الفرنسيين على حساب المهاجرين. وإزاء المهاجرين الذين يتدفقون على الأراضي الفرنسية، ستفرض لوبن عليهم، في حال انتخابها أن يقدموا طلبات الهجرة خارج فرنسا إضافة إلى عزمها إجراء استفتاء «معروف النتائج سلفاً» يشرع التدابير المشار إليها. وواضح أن لوبن تلعب على الشعور القومي وتدغدغ عواطف اليمين واليمين المتطرف وأحيانا المواطنين الذين يعانون من مشاكل الحياة اليومية والتي يرون أن للمهاجرين ضلعاً فيها.
بمواجهة لوبن، يرفض ماكرون منع الحجاب في الفضاء العام ويندد ببرنامجها الانتخابي الذي يعتبر أنه في جانب منه «عنصري» وفي جانب آخر «مليء بالأكاذيب» خصوصاً في جانبه الاقتصادي والاجتماعي. وفي حديث لإذاعة «أر تي إل» صباح أمس، أعرب عن تمسكه بالعلمانية كما يحددها القانون الفرنسي والتي رأى فيها «حق المواطن في أن يكون مؤمناً أو لا يكون، وهي التي تنص على واجب المؤمنين من كل الديانات في أن يحترموا شرائع وقوانين الجمهورية». وقال: «أريد أن يعيش مواطنونا من أتباع الديانة الإسلامية بسلام: لكن ثمة أشخاص يحرفون الدين ويريدون الخروج (من مبادئ) الجمهورية، ولكن هؤلاء ليسوا النساء اللواتي يرتدين الحجاب». وخلص المرشح الرئاسي إلى طمأنة المتخوفين والمتخوفات بقوله: «لست عازما على تغيير مواقفي» حول موضوع الحجاب.
هكذا يجد الناخب مسلماً، كان أو غير مسلم، نفسه أمام فلسفتين أو رؤيتين متناقضتين.
لكن موضوع الإسلام ليس العامل الوحيد الذي يحدد وجهة التصويت. وتبين الدراسات المعمقة أن العوامل التي يخضع لها الناخب المسلم هي نفسها التي تتحكم بالناخب غير المسلم بحيث إن تصويت الأول يحدده وضعه الاقتصادي والمالي ومستواه التعليمي وطموحاته ورؤيته الخاصة وليس فقط انتماؤه الديني.

الشرق الأوسط

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى