اخر الاخبارمقالات وقضايا

أيها اللبنانيون إنسوا أمر الدولار!

اندريه قصاص

منذ أن عصفت الأزمة المالية – الإقتصادية بالبلاد بدأ اللبنانيون، مكرهين وغير مختارين، الإعتياد على غياب العملة الخضراء من بين أيديهم في تعاملاتهم اليومية، بعدما فرضت المصارف حصارًا على الدولار، الذي أنحصر التعامل فيه بالصرافين، بيعًا وشرا، وهذا الأمر سيقود في المستقبل إلى حصر التعامل الداخلي فقط بالليرة اللبنانية، وذلك بعدما  دفع الاقتصاد اللبناني فاتورة ضخمة مقابل تثبيت سعر الصرف، وإذا كان تحرير قيمة العملة أو رفع السعر الرسمي تدريجيا وصولا لتحريره يشكل ضرورة لإطلاق الاقتصاد، فإن هذه الخطوة من شأنها أن تلحق أضراراً بالغة بالطبقتين الوسطى والفقيرة، وتطيح بالقسم الأكبر من رواتب وتعويضات وادخارات المواطنين بالليرة اللبنانية، وبالتالي لا يمكن أن تتم الا إذا كانت مسبوقة بخطوات عدة منها:


أولًا، لبننة الاقتصاد المحلي، إذ أن الاقتصاد اللبناني كان “مدولرًا” بنسبة 75%، وبالتالي فإنه قبل تحرير سعر الصرف، يجب الاخذ في الاعتبار تحويل الاقتصاد اللبناني تدريجياً الى الاقتصاد المنتج مما يخفف من الإعتماد على الدولار، اضافة الى إلزام التعامل داخل الأراضي اللبنانية بالليرة اللبنانية فقط أسوة بغالبية دول العالم. فتعرفة الاتصالات مثلا يجب تثبيتها بالعملة الوطنية، وكذلك اشتراكات التأمين ورسوم المدارس والجامعات وغيرها والا سوف يكون المواطن عرضة لتقلب سعر الصرف في أساسيات حياته.

ثانيًا، وضع ضوابط على الاستيراد حتى يكون مدروساً بحسب حاجة السوق. وهنا لا بدّ من اجراء مسح واضح لحاجات السوق من الاساسيات والكماليات وإعادة تعريف مفهوم الكماليات. فالأجهزة الرقمية مثلا لا يمكن تصنيفها من الكماليات، وبالتالي لا يمكن تقنين استيرادها وفرض ضرائب مرتفعة عليها.

ثالثًا، تعويض صغار المودعين بالليرة اللبنانية، إذ من غير المقبول تحميل كلفة الازمة للمودع الذي أقنعته السلطة السياسية والمالية خلال عقود بأن الليرة بخير، واغرته المصارف بتحويل مدّخراته لليرة اللبنانية، ليتفاجأ بعد تحرير سعر الصرف بخسارة مدخراته نصف قيمتها أو أكثر، والأمر ذاته ينطبق على من وضع تعويضات نهاية خدمته في المصرف بالليرة اللبنانية. 

رابعًا، السماح للمقترض بالدولار أن يسدد قرضه بحسب سعر الصرف الرسمي الحالي 1515- 1507 حصراً إذا كان تاريخ القرض يعود الى ما قبل تحديد سعر الصرف الجديد.

إلى ذلك، توازيًا فإن إعادة هيكلة مصرف لبنان والمصارف التجارية الخاصة لا يمكن أن تأتي عبر خطة حكومية تم إقرارها من دون التشاور مع الأطراف المعنية ومن دون الحصول على موافقة واضحة وتصور عملي وشفاف تتقدم به الجهات نفسها. فالودائع المصرفية هي ملكية خاصة بأصحابها وليست ملكا عاما، خصوصًا ان الملكية الخاصة هي مبدأ اقتصادي كفله الدستور اللبناني، ونظامنا الحر لا يسمح للحكومة بوضع يدها على الملكيات الخاصة.

فالجميع يتفهم خطورة الأزمة ووجوب إقرار بعض التدابير الموجعة الا أنها لا يمكن أن تكون بشكل الزامي يترجم نظرة البعض من دون التوقف عند رأي أصحاب الشأن والسلطة النقدية المؤتمنة على هذا القطاع. ومهما كانت الأسباب والأخطاء التي ارتكبت في الماضي، فهذا لا برر اقدام الحكومة على إقرار خطة تنوى تنفيذها بالقوة ومن دون التوافق مع الأطراف المعنية بها. هكذا أمر من شأنه أن يغير طبيعة لبنان ونظامه الاقتصادي والسياسي الحر والديمقراطي. ويتوجب على الحكومة الحفاظ على القطاع المصرفي لكي يستعيد عافيته لان من دونه لن ننهض ولن نخرج من أزمتنا وسنعرض بلدنا ومقدراتنا لأشد المخاطر المالية والنقدية التي لن يمكن الرجوع عنها في المستقبل.

ان المساس بودائع الناس رغما عنهم أمر غير مقبول ولا يمكن تنفيذه بشكل اختياري كما ذكر بالخطة ان لم تفتح أبواب الحوار الجدي والفعلي مع كافة المعنيين بهذا القطاع. فعمليات ال bail in ان أتت اختيارية كما أدرجت بالخطة ستكون مرفوضة من غالبية المودعين. كما وان الإعفاءات ان طالت فقط الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وبعض صناديق النقابات المقوننة بتشريعات ستؤدي الى كارثة اجتماعية كبرى. فالكثير من المهن والمؤسسات تملك ودائع بشكل صناديق تعاضدية وتعويضات للمستخدمين الذين يعملون لصالحها. فان لم تعفَ هذه الحسابات من عمليات التحويلات والاقتطاع سنشهد انهيارات للكثير من القطاعات لا سيما الجامعات والمدارس الخاصة في لبنان.

وعليه، وإستنادًا إلى كل المعطيات، التي أصبحت معالمها واضحة إلى حدّ ما فإن طريقة تعاطي اللبنانيين مع مفاعيل الأزمة المالية ستكون مختلفة عمّا كانت عليه في السابق، أقله بالنسبة إلى “دولرة” الإقتصاد ويوميات اللبنانيين، الذين عليهم أن يعتادوا على حياة خالية من الدولار.

لبنان 24

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى