اخر الاخبارمقالات وقضايا

الحياد الإيجابي قوّة والحياد السلبي ضعف وخذلان (الدكتور أسعد السحمراني)

*الأستاذ الدكتور أسعد السحمراني*
مسؤول الشؤون الدينية في المؤتمر الشعبي اللبناني

يطلّ علينا موسم مصطلح الحياد بين وقت وآخر ، ويتمّ الخلط بين المفاهيم المصطلحيّة والحقول المعجميّة.
الحياد الإيجابي هو استقلال في القرار وفي اتّخاذ الموقف مع الالتزام بموجبات الانتماء والجغرافية السياسيّة geopolitiqe ، ويكون الحياد عندما تقوم أحلاف دوليّة وتصطرع وتتنازع، كما الحال عندما قام الحلف الأطلسي وبمواجهته حلف وارسو بعد الحرب العالميّة الثانيّة واتّفاقيّة يالطة في أربعينيّات القرن العشرين الماضي، وكانت الحرب الباردة، وقام يومها حلف دول الحياد الإيجابي وعدم الانحياز بعد مؤتمر باندونج (١٨-٢٤) نيسان / أبريل من العام (١٩٥٥) وكان من رموزه جمال عبدالناصر وجواهر لال نهرو وجوزف بروز تيتو، وهذا الحلف مستمرّ وعدد الدول الأعضاء اليوم (١٢٠) دولة، والدول بصفة مراقب (١٧) دولة، وعضويّة منظّمات منها منظّمة تضامن الشعوب الأفريقيّة الآسيويّة التي قامت عام ١٩٥٧ مركزها القاهرة وكاتب المقال يشغل منصب مستشار الرئيس المفوّض لتشكيل لجان للمنظّمة في الدول وتنشيطها، ولبنان عضو في كتلة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز ..
كتلة الحياد الإيجابي وعدم الانحياز كما حدّد جمال عبد الناصر أهدافها بتاريخ ٣١/٣/ ١٩٥٥: (نحن مع تقرير المصير – نحن ضدّ الاستعمار والسيطرة الأجنبيّة — نحن مع حريّة الشعوب)، والحياد الإيجابي هو تعاون دول التكتّل في أفريقية وآسية وأمريكة الجنوبيّة وفق بيان عبدالناصر بتاريخ ١٤/ ٤/ ١٩٥٥: (إنّ الشعوب الآسيويّة والأفريقيّة وإن ظلّت قروناً تنوء تحت نير الاستعمار، لا يسعها إلاّ أن تقوّي جهودها، وتوحّد غاياتها لتحقيق غرض مشترك، ألا وهو أن ترقى اجتماعياً واقتصادياً، وتنال الحريّة والاستقلال حتّى تشغل بين الأمم المنزلة التي تليق بها.)
فالحياد ليس موقفاً سلبيًّا لأنّ الحياد السلبي الذي يطرحه بعضهم إنّما ضعف وهوان وخذلان، ولا حياد سلبي مع الانتماء لهويّة وطنيّة وقوميّة، ولا حياد عندما تكون أرض بلد وثرواته مغتصبة أو مغتصب بعضها، ولا حياد عندما يستبيح عدوّ سيادة بلد ويعتدي عليه، وإنّما الحياد الإيجابي هنا هو أن يستقوي هذا البلد بهويّته وبمداها الحيوي المحيط وهو جغرافيّته السياسيّة، ليتمكّن من ردع المعتدين والطامعين، وليحرّر ما هو مغتصب من ترابه الوطنيّ وثرواته.
وإذا انتقل البحث إلى لبنان، فلبنان ليس بقعة ملقاة على كوكب غير الأرض، ولا هو سفينة تمخر عباب البحار والمحيطات فترسو حيث رغب ربّانها، وإنّما لبنان جزء لا يتجزّأ من وطنه العربي الكبير . وهذا ما ورد في مقدّمة الدستور اللبناني، في الفقرة ( ب): ” لبنان عربيّ الهويّة والانتماء، وهو عضو مؤسّس وعامل في جامعة الدول العربيّة وملتزم مواثيقها.”
ومن مواثيق جامعة الدول العربيّة (معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي) التي كانت بتاريخ ١٨-٦-١٩٥٠ وقد وقّعها يومها عن لبنان رئيس الحكومة الرئيس رياض الصلح.
وفي نصّ المعاهدة العسكريّة من هذه المعاهدة في الفقرة (أ) : ” إعداد الخطط العسكريّة لمواجهة جميع الأخطار المتوقّعة، أو أيّ اعتداء مسلّح يمكن أن يقع على دولة أو اكثر من الدول المتعاقدة أو على قوّاتها.”
وفي البروتوكول الملحق للمعاهدة ما يلي: ” يعتبر أيّ عدوان على أيّ دولة موقّعة على البروتوكول عدواناً على باقي الدول، وأيّ مساس بدولة من الدول الموقّعة على البروتوكول مساساً بباقي الدول الموقّعة.”
وفي مؤتمر القمة العربية بتاريخ ٢٩-٣-٢٠١٥، كان اتّفاق على بند هو: “إنشاء قوّة عربيّة مشتركة لصيانة الأمن القومي العربي.”
ولبنان قد وقّع هذا البيان.
والسؤال: إذا حالت ضغوط دوليّة من الأمريكي مع خذلان ممّن يوالونه على حساب الأمن العربي والتقدّم العربي، وبغرض إضعاف الموقف في مقاومة الاحتلال الصهيوني لفلسطين ولأجزاء من دول أخرى مجاورة لفلسطين، فهل هذا يكون المسوّغ كي يتنكّر بعضهم للهويّة وللالتزامات والمواثيق؟!
ثمّ كان قد طرح بعضهم في السابق نظريّة تقول: “قوّة لبنان في ضعفه”.. فهل حَمَت هذه النظريّة التراب الوطني من الاحتلال منذ اغتصاب القرى السبع عام ١٩٤٨؟؟
وللتذكير القرى السبع اللبنانيّة المحتلّة هي:
(١)- هونين، وتقوم على أرضها مستعمرة هوشاف مرغليوث.
(٢)- إبل القمح، وتقوم على أرضها مستعمرة يوشاف يوفال.
(٣)- النبي يوشع ، وتقوم على أرضها مستعمرة يفتاح قدش.
(٤)- قدس، ويقوم على أرضها مستعمرة يفتاح قدش.
(٥)- المالكية، وتقوم على أرضها مستعمرة ملكياه .
(٦)- صلحا، وتقوم على أرضها مستعمرة بيرون.
(٧)- طربيخا، وعلى أرضها ثلاث مستعمرات هي: شوفرة، ومزرعيت، وشتولا.

ويعلم الجميع أنّ العدوّ الإسرائيلي قد اغتصب مساحات من التراب الوطنيّ اللبنانيّ على طول الحدود، واحتلّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وقرية الغجر ، هذا غير سرقة المياه، والأطماع بالنفط والغاز، يضاف إلى ذلك انتهاك السيادة اللبنانيّة براً وبحراً وجواً بشكل شبه دائم، فهل يفيد الحياد السلبي في مقاومة العدوّ، أم أنّ صناعة الرعب والردع بالتعاون بين الجيش اللبناني والمقاومة، وبحضانة شعبيّة هو الخيار وهو الواجب الوطني؟؟!
وهل في استباحة القدس والمقدّسات المسيحيّة والإسلاميّة وما يقوم به العدوّ الغاصب من تهويد بشراكة أوروأمريكيّة، هناك ما يسمّى الحياد السلبي؟! أم أنّ الواجب الدينيّ على كلّ مسلم وعلى كلّ مسيحي أن يحشد ويقاوم لتحرير القدس والمقدّسات في كلّ فلسطين من دنس العدوّ الصهيوني؟؟؟
ومن باب إنعاش ذاكرة الغافلين نذكّر بموقف قيادي ماروني راحل هو العميد ريمون إدة، وممّا قاله في مقابلة مع صحيفة (الكفاح العربي البيروتيّة) بتاريخ ٦-٢-١٩٨٤ ما يلي:
“لا بدّ أن يزول اللون الطائفي عن مقاومة الإسرائيلي، ويوم المقاومة الوطنيّة الشاملة سوف يأتي.”
“إنّ المصلحة الوطنيّة اللبنانيّة تقضي أن يتّفق اللبنانيّون على نقطة رئيسيّة هي أنّ الإسرائيلي هو عدوّ…”
“منذ العام ١٩٥٤، كنت أوّل من تحدّث في المجلس النيابي عن خطر التقسيم، فقد كنت حصلت على مذكّرات موشى شاريت، ومحادثات بن غوريون مع ألون ودايان، والتي يتحدّثون فيها عن تقسيم لبنان إلى دول طائفية.”
” لماذا نسئ إلى علاقاتنا العربيّة؟ وجميعنا يعلم أنّ مصلحة لبنان مع الدول العربيّة، سواء أحببنا هذه الدول أم لم نحبّها.”
هذه مواقف وأقوال تُخَطُّ بماء الذهب لشخصيّة لبنانيّة مارونيّة تبيّن الانتماء وتحذّر من الخطر الصهيوني وأنّ التقسيم تنفيذٌ لمخطّط إسرائيلي، فهل قرأ دعاة الفيدراليّة كلام ريمون إدة؟ وهل اطّلع مؤيّدو الحياد السلبي المتنكّر للهويّة باسم هويّة لقيطة -لا أصل لها- مواقف عميد الساسة ريمون إدة؟!
وبمسألة القضيّة الفلسطينيّة قضيّة العرب الأولى، هل تذكّر المتخاذلون باسم الحياد مواقف لبنان بلسان رئيس الجمهوريّة الراحل سليمان فرنجيّة يوم خطب في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة باسم الأمّة العربيّة، بتاريخ ١٤-١١-١٩٧٤؟! وما قاله الرئيس فرنجية في خطابه:
“عندما وقف لبنان إلى جانب الشعب الفلسطيني المشرّد من أرضه وموطنه، كانت تحدوه أسمى دوافع العقل والقلب، دوافع الأخوّة العربيّة والتضامن الإنساني، إلى جانب عوامل الجغرافية وقواعد التاريخ. فنحن على تخوم فلسطين، وقد كان لزاماً علينا أن نستقبل مئات الألوف من إخواننا الفلسطينيّين شرّدتهم أساليب العنف الإسرائيلي الجائر، وما زالت تطاردهم… وها هي الآن تنفث الأحقاد ضدّ اللبنانيّين، فتُغِير في كلّ يوم وحتى في الأيّام الأخيرة الماضية، ومساء البارحة بالذات، على الجنوب اللبناني، تضربنا في جسومنا، وتجرحنا في مشاعرنا، وتهدّد أمننا.”
فهل تغيّر شيء ممّا قاله الرئيس فرنجية؟ هل تنكّر بعضهم للأخوّة؟ وهل تغيّرت جغرافيّة لبنان وتاريخه؟ وهل توقّفت الجرائم الصهيونيّة وتوقّف العدوان وانتهاك السيادة؟ وإذا كان العدوان يجرح المشاعر ويهدّد الأممن، فهل دعاة الحياد السلبي بلا مشاعر وطنيّة ولا يهمّهم أمن لبنان واللبنانيّين؟!
هذا قليل من كثير، وبكلّ الغيرة على المواطنة والانتماء والهويّة العربيّة للبنان نقول لهم: نحن عرب، وانتماؤنا مع الجغرافية السياسيّة توجب الالتزام مع أشقّائنا العرب كلّهم، وضدّ كل ظلم وعدوان سواء الاحتلال الاستيطاني في فلسطين أو احتلال العراق، أو صناعة الحركات التكفيريّة كداعش ومثيلاتها، أو قانون قيصر الذي يحاصر لبنان قبل الشقيقة سورية العربيّة، وتطول القائمة…. نحن لبنانيون عرب نلتزم مع أمّتنا وضدّ كلّ معتدٍ عليها، ولا حياد سلبي فليخيطوا بغير هذه الإبرة، بل هناك حياد إيجابيّ مبنيّ على القوّة يشدّ أزر الشقيق والصديق ويردّ كيد العدوّ وشركائه.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى