اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

مسرحية الفيول: الشركات العالمية لن تبيع لبنان؟

خضر حسان

تقدّم وزارة الطاقة يوماً بعد يوم أدلة دامغة على أن لبنان يتّجه مسرعاً نحو عدم قدرته على تأمين الفيول. غير أن الوزارة تصرّ على كسب الوقت وتلميع مظهر الأزمة، لتوحي بأن الحلول تسير في الاتجاه الصحيح.

تدمير بلا عدوان
وفي محاولتها تصطدم الوزارة بوقائع لا يمكن تجاهلها: غياب مادة المازوت، وتهديد قطاعات حيوية بالتوقّف عن العمل: المستشفيات، وعلى رأسها مستشفى بيروت الحكومي.

وبرغم الوعود بتأمين المازوت في اليومين المقبلين، بحسب ما يؤكّده الوزير ريمون غجر، إلاّ أن الشحنات الموعودة لا تفي بالغرض، لأن المصادر الحالية التي تؤمّن الفيول للبنان، ستتوقّف عن تأمينه، فيما لم يجد لبنان بعد، مصادر أخرى.
ويقبع لبنان تحت وطأة تقنين كهربائي قاسٍ، لم يجبره عليه هذه المرّة عدوان إسرائيلي، بل عدوان “فسادي” يدمر البلاد ويوفر المشقّة على العدو. فالأقربون أولى بالمعروف.
فبصواريخ أسعار الدولار وعقم إدارة المخزون النفطي، قَصَفَت الطبقة السياسية أمنَ مواطنيها، بعدما وَعَدَتهم بالبحبوحة والرخاء بإيهامهم بدخول لبنان نادي الدول النفطية، فإذا بالفيول المطلوب لخفض ساعات التقنين، يختفي، ووزير الطاقة وحكومته يرفعان “العَشرة” استسلاماً وتسليماً بقضاء الصفقات وقَدَرِها، والتي رَهَنَت البلاد لتجّار الأزمات

وزير الاجراءات العقيمة
عقم الادارة المقصود للملف النفطي على مدى سنوات، تكلَّلَ بتعيين حكومة اتَّهَمَت نفسها زوراً بأنها حكومة اختصاصيين. فكان الاختصاص حجراً ثقيلاً لم تتمكّن الحكومة من حمله. فتحوّلَت بذلك حكومة اختصاص في تمرير الصفقات وتنفيذ التعليمات السياسية.
وتحمل وزارة الطاقة الثقل الأساسي في شبهة الاختصاص تلك. أما اذا أصرّ الوزير على صفته الاختصاصية، فهو بالتالي يؤكد لنفسه بأنه لم ينجح باختصاصه. فهو مهندس المشاريع في وزارة الطاقة لسنوات، وها هو اليوم يمسك الوازارة مباشرة، ويُعيد انتاج السياسات نفسها من دون نتيجة ايجابية.
وهّنا، لا بد من السؤال عمّا إذا كان من المعقول أن مهندساً لا يملك بداهة إجراء حسابات بسيطة تجمع بين حجم المخزون النفطي المتبقّي في جعبة الدولة، مع معدّل استهلاك السوق، مع الوقت الكافي لاستيراد الكميات المطلوبة، قبل الوقوع في الأزمة، فيما نيل شهادة الهندسة يتطلّب تحصيلاً علمياً وعملياً يفوق تلك الحسابات البسيطة؟.

الإجابة قدّمها غجر نفسه عندما سأل عن إمكان “تبخّر” كميات الفيول الآتية “كما حصل في السابق، كون الطلب على المازوت يزداد، وهو إما يذهب تهريباً أو للتخزين”.
هو اعتراف بالتقصير، ليس من جانب وزارة الطاقة هذه المرّة، وإنما من جانب كل الوزارات المعنية. وبذلك، يقدّم غجر شهادة تقصير القوى السياسية كلها، لكن من دون وجود جهة رقابية تملك جرأة المحاسبة. وهو ما يشجّع الطقم السياسي على الاستمرار بنهجه.

لا ثقة دولية بلبنان
النهج العقيم لم يجد حرجاً في إنتاج نفور دولي من لبنان. فقضية الفيول المغشوش التي أُقحِمَت فيها شركة سوناطراك الجزائرية التي تؤمّن الفيول، دفعت الشركة إلى رفض تجديدها العقد مع لبنان. فيما لم تجد وزارة الطاقة مصدراً آخر لتأمين الفيول حتى الآن. وهذا يعني أننا أمام أزمة تقنين مؤكّدة في العام القادم. 
فبحسب غجر، فإن الوضع الاقتصادي والنقدي للبنان، يضاعف معدلات المخاطر التي تضعها الشركات في حساباتها، قبل التعاقد مع لبنان لتوريد الفيول. وبدل أن تتهافت الشركات على الاستثمار، فإن عددها يتقلّص. ومن يرغب منها في دخول المناقصة، يعلن استعداده لتوريد “باخرة أو باخرتين، بدل خمسة بواخر أو أكثر”، لأن مستوى الثقة بقدرة لبنان على الوفاء بالتزاماته، يتراجع. وعليه، فإن أفضل السيناريوهات، سيكون تقنيناً قاسياً بدل العتمة الشاملة.
وبالتوازي، ستنشط السوق السوداء لمادة المازوت. وهي التي بدأت بوادرها بالظهور حالياً، إذ تلجأ الشركات المستوردة الى تقنين توزيع المازوت، ارتقاباً لأزمة قادمة تتيح لمن يكتنز المازوت، رفع أسعاره والتحكّم بعملية البيع. وأولى بوادر هذه العملية، تجلّت بتقنين بيع المازوت للمحطات، ورفع سعر الصفيحة إلى ما يزيد عن 30 ألف ليرة وسط إصرار وزارة الطاقة على تسعيرها بنحو 16 ألف ليرة.
هذا الواقع، حمل أصحاب المولدات في بعض المناطق، على مطالبة المسؤولين بـ”ضرورة العمل على تأمين مادة المازوت بعد الدخول في مرحلة الخطر والانذار بحلول الظلام خلال أيام قليلة في ظل بدء المادة بالنفاذ”.

مشروع أكبر؟
ما وصلنا إليه على مستوى الكهرباء، لا يمكن أن يقف عند حدود سوء التقدير “بل هناك ما هو أبعد من ذلك. هناك مشروع كبير يُحضر له في قطاع الكهرباء، وما قضية الفيول سوى إحدى وسائل التنفيذ”، وفق ما تقول مصادر في مؤسسة كهرباء لبنان، في حديث لـ”المدن”.
وتشير المصادر الى أن “قصة بواخر النفط هي لعبة لتمرير الوقت، يتخللها تخبّط وزير الطاقة في إعلان مواعيد تخفيض معدل التقنين بفعل زيادة مخزون النفط والبدء باستعماله لتوليد الكهرباء. فتارة يطلق الوزير وعداً بخفض التقنين خلال أسبوع، وتارة أخرى يؤجّلها للأسبوع المقبل. ولا أحد يعلم خفايا وصول البواخر أو مغادرتها، علماً أن هدر 1.2 مليار دولار سنوياً على استيراد الفيول، لم يفلح في زيادة ساعات التغذية”.

في السياق نفسه، تستبعد المصادر أن يكون السيناريو المتَّبَع مجرّد “جهل من الحكومة ووزارة الطاقة لآلية التعامل مع ملف النفط. فهي حكومة اختصاصيين، ولا يمكن القول بأنهم لا يعرفون كيفية استيراد وإدارة الفيول”. ولكشف بعض الخيوط، تربط المصادر بين ما يدور في ملف الفيول وبين تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان، بصورة معلّبة، مع الإبقاء على المدير العام للمؤسسة كمال حايك على رأس عمله، ما يؤكد نية السلطة السياسية الاستمرار بادارة ملف الكهرباء بالصورة السابقة نفسها. لأن حايك هو مفتاح تمرير كل الصفقات في المؤسسة، لصالح مَن أبقاه على رأس هرم المؤسسة.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى