اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

“معصية” المركزي التي أدخلت اللبنانيين إلى “جهنم” الفقر والإنهيار

خالد أبو شقرا

شكّل تثبيت سعر الصرف على مدار الثلاثة وعشرين عاماً بقرار منفرد، أساساً لمعظم المعاصي النقدية. فعدا عن الكلفة المالية الباهظة لهذه العملية التي قدرتها “لازارد” بـ 44 مليار دولار، فقد بُذل في سبيل الإبقاء القسري على سعر 1515 لليرة مقابل كل دولار، الغالي والنفيس من أموال المودعين، والتضحية بالقطاع المصرفي.




“الإضاءة على المخالفات الصارخة التي ارتكبها مصرف لبنان بحق اللبنانيين وعملتهم الوطنية واستقرارهم المالي والاقتصادي” كانت محط مساءلة تقدم بها النائب فؤاد مخزومي من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة. وذلك بناء على دراسة نقدية شاملة قام بها خبراء ومحامون في مجال القطاع المصرفي.

المعصية الكبرى

المعصية بدأت بمخالفة المركزي المادة 229 من قانون النقد والتسليف باعتماده سعر صرف أطلق عليه السعر الرسمي، متجاهلاً “الحاكم” السعر القانوني الذي حددته هذه المادة. أي انه عدل القانون بقرار شخصي. ولتثبيت هذا السعر استعمل المركزي أموال زبائن المصارف المودعة لديه. وبذلك يكون قد خالف المادة 75 من قانون النقد والتسليف التي تحصر تدخله بسوق القطع بما لديه من عملات أجنبية في حساب صندوق تثبيت القطع. فاعتبر بقرار شخصي أيضاً، ان ودائع المصارف بالدولار لديه بمثابة احتياطي في حين انها دين عليه.

“هذا الإصرار على تثبيت سعر الصرف والتمسك به حتى يومنا هذا يعتبر أمراً غير مفهوم”، بالنسبة للمحامي أنطوان مرعب. “فمراقبة تطوّر سعر صرف الليرة في لبنان منذ استلام الرئيس الشهيد رفيق الحريري زمام الحكم يُظهر انه ارتفاع متدرج حتى وصل إلى سعر 1500 ليرة مقابل الدولار، فثبّت عنده”. وبحسب مرعب “لا يوجد أي قرار من المجلس المركزي في هذا الخصوص. ما يعني أن الحاكم اتخذ القرار منفرداً في حين ان قرارات كهذه تتطلب موافقة المجلس المركزي لمصرف لبنان. فمن غطى اتخاذ القرار وكيف طبق ولماذا تم اللحاق به “عَ العمياني”؟ “أسئلة يجب ان تطرح، وأن يجاب عليها بدقة وشفافية”، بحسب مرعب. “لان هذه السياسة كلفت لبنان كثيراً. وهي لا تحدث في هذا الشكل إلا في الأنظمة التوتاليتارية والشمولية. بتصرفات تعيدنا إلى زمن الاتحاد السوفياتي سابقاً”.

“التثبيت” تطلّب خرق القوانين

الدفاع عن تثبيت سعر الصرف عبر تدخل المركزي بائعاً للدولار، دفع به لاستجلاب الودائع بالعملات الاجنبية من المصارف. وذلك عبر إغرائهم بأعلى الفوائد، مخالفاً بذلك المادة 98 من قانون النقد والتسليف التي تنص على انه “يفتح المصرف (المركزي) حسابات ودائع اموال للمصارف وللمؤسسات المالية. ولا تنتج هذه الحسابات فوائد”. “فسحب المركزي أموال المودعين من المصارف، مع علمه المسبق ان متوسط آجال الودائع في لبنان هو 4 أشهر، وجمدها لآجال طويلة تتراوح بين 5 و9 سنوات”، بحسب ورقة المساءلة لـ مخزومي. “فانغرّت المصارف بالهالة التي نسجها الحاكم لنفسه، وضعفت إرادتها ولم تفكر إلا بالربحية السريعة ولحقت مصرف لبنان على الخراب”، يقول مرعب، مردفاً: “فوظفت كل ما تملك في مصرف لبنان، ولم تحترم حتى نسب السيولة المطلوبة التي تعتبر أهم مبدأ في العمل المصرفي السليم لمواجهة الخضات والتقلبات، والتي من دونها يصبح المصرف مفلساً حكماً”. وبهذا يكون مصرف لبنان قد دفع المصارف أو شجعها على مخالفة المادة 156 من قانون النقد والتسليف التي تنص أنه “على المصارف ان تراعي في استعمال الاموال التي تتلقاها من الجمهور القواعد التي تؤمن صيانة حقوقه، وعليها بصورة خاصة ان توفق بين مدة توظيفاتها وطبيعة مواردها”.

الربح السريع

النية أو الغاية من السياسات النقدية تصنع كل الفرق. فلو كان هدف المركزي إمتصاص السيولة بالعملة الأجنبية، لكان إعطاء فوائد مرتفعة نسبياً على ودائع المصارف أمراً مبرراً”، برأي مرعب. “أما بالنسبة للمصارف فلو كان هدفها توظيف سيولتها في دعم المشاريع الانتاجية كما فعل بنك إنترا سابقاً، لكان هذا التوظيف مفهوماً. أما ان يكون الهدف هو الربح السريع بطريقة تشبه المقامرة ونتيجة لترغيب وترهيب مصرف لبنان باعتماده سياسة العصا والجزرة مع المصارف، فهو ما ليس مفهوماً ويتطلب المراجعة والمحاسبة”.

إستمالة مفوضية الحكومة

الخروقات التي فنّدها مخزومي في مساءلته لم تنحصر في خرق المواد 229 و75 و98 و156، إنما تعدّتها أيضاً إلى المادة 109 من قانون النقد والتسليف. فبدلاً من ان يجري عمليات شراء أو بيع السندات الحكومية أو السندات المصدرة بكفالة الحكومة عن طريق بورصة بيروت كما ينص القانون، أجرى عمليات “السواب” مع وزارة المالية. كما عمد المركزي إلى دمج مفوضية الحكومة لدى مصرف لبنان بهيكليته لمنع الحكومة من إجراء الرقابة عليه بواسطة هذا الجهاز البالغ الأهمية والحساسية. فكانت النتيجة تحويل المفوضية، بحسب مخزومي، “إلى دائرة صغيرة تابعة له”.

خروقات بالجملة بدأت ما بين العامين 1997 و1998 مع تثبيت سعر الصرف عند 1515، وما زالت مستمرة ليومنا هذا. آثارها لم تنحصر في تضييع مليارات الدولارات من أموال المودعين وتعريض القطاع المصرفي للإنهيار أو الاستمرار كـ”زومبي بنك” بأحسن الأحوال فحسب، إنما بـ”غش” اللبنانيين وإخفاء حقيقة أنهم يعيشون باقتصاد مزيّف. فالاعتماد على تحويلات المغتربين وتدفق الودائع لتمويل ترف العيش في إقتصاد غير منتج أمر غير مستدام. وهو، وإن نجح في العقدين المنصرمين فقد سقط اليوم وسيدفع الجيل الحاضر والأجيال القادمة أثمانه أضعافاً مضاعفة.
نداء الوطن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى