اخر الاخبارعربي ودوليمقالات وقضايا

رمضان حاسم في «إمارة إدلب»… وعين «قسد» على واشنطن

علاء حلبي

يدخل شهر رمضان في سوريا هذا العام، وسط اضطرابات متواصلة في مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة – الفرع السابق لتنظيم القاعدة في سوريا)، على خلفية الانشقاقات المتواصلة في صفوفها، والتي حركتها حملة داخلية شنّها زعيمها، أبو محمد الجولاني، خلال الفترة الماضية، للتخلص من منافسيه، عبر اعتقالهم بحجة اكتشاف شبكة من العملاء تعمل لصالح دول أجنبية.

وفي محاولة جديدة لتجاوز الصراع الداخلي الذي تعتبره مصادر «جهادية» حاسماً، تُضاف إلى الإفراج عن معظم القياديين الذين تمّ اعتقالهم في الفترة الماضية، أطلق «الجهاز الأمني» لـ«الهيئة»، سراح «أبو ماريا القحطاني» (ميسر بن علي الجبوري – عراقي الجنسية)، أحد أبرز قياديي «الهيئة»، ومن مؤسسي «جبهة النصرة»، والنائب السابق للجولاني. إلا أن أصداء تبرئة الأخير قوبلت بمزيد من الاحتقان، إذ لا تزال مناطق سيطرة «الهيئة» في إدلب وريف حلب تشهد خروج التظاهرات الرافضة للجولاني، والمنادية بإسقاط منظومته التي تحكم قبضتها على جميع موارد الحياة، وتحاصر المخيمات المنتشرة على طول الشريط الحدودي مع تركيا، في ظل إغلاق جميع المعابر مع مناطق سيطرة الحكومة السورية.

ومن شأن ذلك أن يمنع من يود العودة إلى مناطق سيطرة «الهيئة» من الإقدام على هذه الخطوة، في وقت تزداد فيه الظروف الإنسانية قسوة جراء التناقص المستمر في حجم المساعدات الإنسانية الأممية، نتيجة تراجع تمويل الدول المانحة وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي، المشغولون بالحرب الروسية في أوكرانيا، وبدعمهم غير المحدود لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين في قطاع غزة.

ويأتي الإفراج عن «القحطاني»، وهو المهندس الشريك لتحولات «الهيئة» وتملصها من جذورها القاعدية، وانتقالها إلى محاربة تنظيم «داعش»، ومحاولة تلميعها وتصديرها على أنها فصيل معتدل لا يتجاوز نشاطه الجغرافيا السورية، ليتم قبوله دولياً، وسط ترقب لردة فعل التيار التابع لـ«الجهادي العراقي» في صفوف «تحرير الشام»، والذي يشكل مرجعية لتيار يطلق عليه اسم «الشرقية» وينضوي فيه عدد كبير من مقاتلي «الهيئة». وكانت تسجيلات تم تسريبها سابقاً تظهر اعتراف «القحطاني» بتواصله مع أجهزة استخبارات غربية، وتقديم معلومات حول نشاط «جهاديين» قامت واشنطن باغتيالهم بشكل متتابع في مناطق وجودهم في إدلب، فيما كشفت مصادر «جهادية»، في وقت سابق، لـ«الأخبار»، أن التواصل مع هذه الجهات كان يتم بعلم وموافقة «الجولاني»، قبل أن يحاول تبرئة نفسه ويحمّل «شريكه» المسؤولية.


تشهد خطوط التماس بين مناطق انتشار الفصائل «الجهادية»، ومناطق سيطرة الجيش السوري، ازدياداً مطرداً في الهجمات

وعلى خط مواز، تشهد خطوط التماس بين مناطق انتشار الفصائل «الجهادية» التابعة للجولاني، ومناطق سيطرة الجيش السوري، ازدياداً مطرداً في الهجمات. وفيما تنفّذ الأولى عمليات «انغماسية» عبر مجموعات صغيرة تحاول استهداف نقاط الجيش السوري، بالتزامن مع إطلاق مسيرات انتحارية للتشويش عليه، أعلن الأخير، في بيانات متلاحقة، إسقاط تلك المسيرات، والقضاء على المتسللين، والقبض على أحدهم، في ريف إدلب الجنوبي. ويأتي ذلك بعد النجاح الكبير لسلاح المسيرات الانتحارية، والذي بدأ الجيش السوري يعتمد عليه بشكل متزايد لاستهداف «الجهاديين» في متاريسهم وأنفاقهم ومناطق تحصينهم، علماً أن عمليات جديدة نجحت في استهدافهم في مناطق عديدة في إدلب، حسبما أظهرت مقاطع مصوّرة. أيضاً، شنت طائرات حربية سورية وروسية غارات على مواقع في إدلب، تم خلالها استهداف «قاعدتين رئيسيتين» للفصائل، وقتل فيها «أكثر من 20 إرهابياً»، وفق بيان أصدره «مركز الاتصال الروسي».


أما في شمال شرقي سوريا، الذي يسيطر عليه الأكراد ضمن مناطق «الإدارة الذاتية»، فتزداد حالة الترقب للموقف الأميركي من دعم «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد)، في ظل التقارب التركي – الأميركي المتصاعد، والذي قد يفتح الباب أمام تركيا لاستباحة أوسع للأراضي السورية.

وفي السياق، زار وزير الخارجية التركية، حقان فيدان، واشنطن، حيث أجرى لقاءات عديدة مع مسؤولين أميركيين ضمن ما يطلق عليه «آلية استراتيجية» للتعاون بين البلدين. ويأتي ذلك في ظل ارتفاع مستوى التنسيق بينهما بموجب صفقة وافقت خلالها أنقرة على انضمام السويد إلى «حلف شمال الأطلسي» (الناتو)، مقابل موافقة واشنطن على صفقة طائرات «F16» لتركيا كانت مجمدة. وخلال زيارته، سعى فيدان إلى دفع الولايات المتحدة إلى التخلي عن دعم «قسد»، أملاً في فتح الباب أمام القوات التركية لقضم مناطق جديدة (تحديداً منبج وتل رفعت) في ريف حلب، وتوفير الجغرافية اللازمة لتطبيق الخطة التركية، القديمة – الجديدة، بإنشاء حزام سكاني على طول الشريط الحدودي الجنوبي من البلاد، تحت اسم «المنطقة الأمنية».

وعقب لقاء جمع فيدان ونظيره الأميركي، أنتوني بلينكن، أصدر الطرفان بياناً مشتركاً ذكر أن واشنطن وأنقرة «بحثتا الملف السوري بكل أبعاده»، بالإضافة إلى التعاون في ملف محاربة «داعش»، فيما دان بلينكن التنظيمات التي تعتبرها أنقرة «إرهابية» (في إشارة إلى حزب العمال الكردستاني وحزب التحرر الشعبي الثوري).


وفي موقف يعتبر مستجداً، تبعاً للظروف التي رافقته، انتقدت الخارجية الأميركية، عبر حساب «السفارة الأميركية في سوريا»، التضييق المستمر الذي تتعرض له أحزاب كردية موالية لتركيا، داعية «بشكل عاجل إلى وقف الهجمات على مكاتب المجلس الوطني الكردي، وبدء الانخراط في حوار هادف»، وذلك بعد تعرض مكتب «المجلس الكردي» في مدينة عامودا شمالي محافظة الحسكة، لهجوم، الخميس الماضي، على يد «الشبيبة الثورية» التابعة لـ«قسد». ويأتي التقارب الأميركي – التركي المتزايد، في وقت تعيش فيه «قسد» حالة «عدم يقين»، بعد تسريب وسائل إعلام أميركية معلومات حول إعداد خطة للانسحاب العسكري الأميركي من سوريا، على خلفية تصاعد هجمات فصائل المقاومة على قواعد واشنطن غير الشرعية في الشمال الشرقي من البلاد، وجنوباً عند المثلث الحدودي مع العراق والأردن. وعلى ضوء ذلك، تتزايد تعقيدات الموقف الكردي، واضعةً «قسد» أمام خيارات محدودة تشكل جميعها تهديداً وجودياً لمشروعها.

الأخبار

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى