اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

باسيل الذي لا يريد أن يكون رئيساً..

استباقاً لما سيحدث في قصر بعبدا يوم 25 حزيران، وإن كان سيلتئم “اللقاء الوطني” أم لا، دبّر رئيس التيار العوني، النائب جبران باسيل، هجوماً سياسياً مبكراً، وهو الذي يستشعر “الاغتيال الجماعي للتيار الوطني الحر” أو بالأحرى لاغتياله سياسياً ومعنوياً، وإحراقاً لطموحه الواضح بـ”وراثة العهد”.

الحكومة والفتنة
يوم السبت 20 حزيران، ضرب باسيل موعداً عند ظهر عطالة سياسية، ليحتل وحده فضاء الأخبار، فألقى كلمة طويلة، كرر فيها ما يقوله باستمرار، خصوصاً ما دأب على التفوه به منذ خريف 2019، بعدما صار مهجوساً بسمعته الملطخة وصورته المشوهة أو “المفضوحة”، كرمز لأخلاقيات الطبقة السياسية وكواليسها و”تسوياتها” وصفقاتها.
في كلمته، التي تنتهج التقليد اللبناني الشعبوي، بتنصيب “السياسي” نفسه على الشاشة خطيباً في “الاستراتيجيات” (وهذه وحدها آفة متجددة في الحياة السياسية اللبنانية)، لا يتوقف عن “قول كل شيء”، تحدث جبران بنبرة عدوانية ضد الجميع تقريباً، وحاول قدر استطاعته “التملص” من بعض إملاءات حسن نصرالله قبل أيام قليلة.
كلام باسيل كان بثلاثة محاور: الوضع الاقتصادي، “الاغتيال الجماعي للتيار الوطني الحر” والاستراتيجيات.
ابتدأ بمقولة “يجب على الحكومة أن تبقى جاهزة لمنع سقوط التغيير. ورغم ملاحظاتنا لن نسحب الثقة من الحكومة، طالما أن البديل غير متوافر وطالما هي (الحكومة) تنجز”.
ثم أعلن “سنضرب كل من يسبب الفتنة. يجب عدم التحريض على الفتنة السنية الشيعية، وهي ستفشل طالما يرفضها الكبار، والفتنة المسيحية الإسلامية ممنوعة. والتفاهمات العميقة هي التي ستحافظ عليها، مثل تفاهم مار مخايل، مشيراً إلى أن الهدف من اجتماع بعبدا منع الفتنة: “هناك أهميّة لدعوة رئيس الجمهورية الى الاجتماع في بعبدا درءاً للفتنة بكل أبعادها. حتّى ولو اختلفنا سياسياً أفلا نلتقي على منع الفتنة عن بلدنا؟”. وكأنه يوحي أن من سيرفض الحضور والمشاركة هو “فتنوي”!
وبعد “الفتنة” دخل في الاقتصاد والاستقرار النقدي، فقرر بعبارة واحدة: “إن مصرف لبنان هو المسؤول عن هذا الموضوع”! ثم يقرر (نيابة عن مصرف لبنان!): “تأمين الاستقرار النقدي يكون من خلال إجراءات مسؤول عنها مصرف لبنان، ولا تختصر بضخ محدود للدولارات “بتروح ضيعان”، بلا وقف التلاعب بالدولار، وإلغاء الدولرة تدريجياً والاتكال على العملة الوطنية والحدّ من الحاجة للدولار”. كيف ذلك؟ لا يقول.. المهم رمي النظريات.
وكالواعظ، قال: “البلد يمرّ من قطوع إلى قطوع. وآخر قطوع هو محاولة إسقاط الحكومة في سياق المؤامرة الاقتصاديّة التي يتعرّض لها لبنان، التي كنّا توقّعنا حصولها وسمّيناها 13 تشرين اقتصاديّة”. لكن ما أن أنهى تنبيهه ونبؤته عن المؤامرة والفتنة، حتى نطق مدافعاً عن تياره وعن سياساته “بسقوط مشروعنا تسقط الدولة وبسقوط الدولة يسقط الوجود..”، منبهاً إلى أن “خطوط التماس لن تعود. ومن يحرض علينا للتعويض عن ضعفه فلن نرد عليه. وحريصون على العيش الواحد في الجبل”. وصيغة النفي والحرص هنا تضمر عكس المعنى طبعاً، لما فيها من تحريض واتهام للآخرين. ولذا، يتوغل في الاتهام: “كلّما مست الحكومة بالمنظومة سيتكرّر السيناريو نفسه، مثلما جنّ جنونهم في التعيينات المالية الأخيرة”. ويؤكد: “لسنا مستعدين لأن نسحب الثقة من الحكومة طالما هي تنجز والبديل غير متوفّر ولسنا مستعدين لوضع البلد بالفراغ والمجهول من جديد كما حصل مع الحكومة السابقة”.

كهرباء وتيار ومحاصصة
والغريب، أن وزير وزراء الكهرباء، تحدث وكأنه مجرد “مراقب”، وليس مسؤولاً عن “تاريخ الكهرباء”، ليقول: “جيد أن الحكومة أقرت الخطة الكهربائية، التي إذا نُفذت تؤدّي الى 24/24 وتصفير العجز. ولكن على الحكومة أن تلزم المعامل الكهربائية ومعامل التغويز وتعيّن مجلس إدارة كهرباء لبنان وتعدل قانون الكهرباء لتتمكن من تعيين الهيئة الناظمة”. بالطبع، في عهوده الكهربائية كان ممنوعاً وجود مجلس إدارة وهيئة ناظمة. هذا هو جبران باسيل.
ولأنه كذلك، يعرف مدى انحطاط الروح المعنوية لأنصاره، والشكوك العميقة التي أصابت جمهوره، فيعود إلى الويل والثبور والحماسة: “بعدني عم هدّي شبابنا ليتحمّلوا الشتيمة والتعدّي من أي أزعر. لكن إلى متى؟ الحراك هو للأوادم، وليس للزعران. فردّوا الحراك للأوادم لنحارب الفساد ونعمّر البلد معاً”. مدهشة قدرته الإنكارية. ويكمل مخاطباً جمهوره: “ما حدا بيقدر يرهّب التيّار من قول الحقيقة ولا من حريّة الحركة بين الناس. وأنا أنبّه أنّه من الآن فصاعداً لن نسمح بالتعدّي المادي والمعنوي علينا، كما أننا نتعرّض للاغتيال السياسي الجمَاعي وأنا اتحسس مشاعر التياريين وأفهم غضبهم”.
ويضيف دفعاً للتهم الملتصقة به وبجماعته: “إتهام التيّار بالمحاصصة هو لاستهدافنا بالإدارة. فمن ضد الحكومة يريدون تعيين محاسيب، وإلا يهدّدون بالاستقالة. ومن بالحكومة يختارون أشخاصا بأسوأ سير ذاتية، ويحاولون إرغام الحكومة لتقبلهم حتى لا تحرد مرجعيّتهم. ورغم ذلك قاطعوا جلسة التعيينات”. مستأنفاً الرياضة التي تتقنها كل الطبقة السياسية: أنت محاصص. لا، أنت محاصص. أنت طائفي. لا، أنت طائفي.. إلخ.
وإذ انتبه أن هذا يثير التساؤلات حول رفض عون للتشكيلات القضائية، قال: “الرئيس رفض التشكيلات لأنّها لا تحترم المعايير التي تحدّث عنها مجلس القضاء نفسه. بل تمّ فيها التقاسم بين مرجعيّات لطوائف محدّدة ومجلس القضاء الأعلى”. هذا اتهام بالغ السوء لمجلس القضاء، وقد يعمق أكثر معضلة القضاء واستقلاليته.

فيول وسدود ورئاسة
وإكمالاً لهجومه السياسي والدفاع عن النفس في آن معاً، قال وزير وزراء الطاقة والفيول: “ملف الفيول فُتح التحقيق فيه. وتبيّن أنّ فوق الدعم السياسي للمتورطين، هناك غش بالكميات المسلمة وغشّ بنوعيّة الفيول، لأنّهم يشترون وسخ الفيول، ويضيفون له أوساخاً كيمائية وغشّ بتقارير الفحوص”. بالطبع يقول ذلك رامياً فضيحة قذرة مستمرة على امتداد الوزراء العونيين، على موظف أو موظفين فاسدين غير عونيين وحسب!
العبارة المضيئة وإن كانت خالية من الصدق: “ما بدّي أعمل رئيس جمهورية”. و”لا أريد أن أصبح رئيساً للجمهورية، بل أريد محاربة الفساد. الحكومة والعهد في أزمة، الشارع في أزمة، مؤيدو الحكومة في أزمة، الجميع من موقعه يستطيع المساهمة في الإنقاذ، والاستقواء بالخارج رهان خاطىء، وتجزئة المواجهة تضعف لبنان”. كل هذا دفعة واحدة.
ثم عاد ودافع عن سدّي بسري والأولي: “هما مشروعان متلازمان، دفعنا عليهما 500 مليون دولار ضمنها 155 مليون دولار استملاكات، وبقي 200 مليون دولار. ووافق عليه بالإجماع مجلسا الوزراء والنواب مرتين وثلاثاً، ودفعنا بعد تسع سنوات كل الأموال. يريدون إلغاء مشروع سد بسري بسبب النكد السياسي للابتزاز، لان لديهم متعهداً معيناً يريدونه. أقول لأهل بسري لا تفوتوا عليكم هذا المشروع. هو لكم وليس للتيار الوطني الحر. الماء لكل بيروت وليست للتيار الوطني الحر. وبيروت وضاحيتها ستعطش من دونها. هذا المشروع ليس ملك التيار كي يدافع عنه وحده. ستنتفعون من إنمائه. هذه السدود سيدشنها أحد، وسينسى الناس الكذب والخداع، وسينسب السياسيون الإنجازات إليهم. أوقفوا خداعكم واتركوا البلد يتقدم”. والأكيد هو يستشهد بحكومات ومجالس نواب وسياسيين وزعماء، كانت مشاريعهم وتلزيماتهم ومقاولاتهم كلها بلا محاصصات ولا صفقات فاسدة ولا هادرة للأموال! تماماً كما سلعاتا الذي صوّت مجلس الوزراء على إسقاطه ثم تراجع كرمى عيونه وبإرادة الرئيس “القوي”.

أميركا وقيصر ومؤامرة الدولار
في كلامه “الاستراتيجي” لم يطابق حزب الله، وربما لن يغضبه. فعن صندوق النقد الدولي، قال: “لمصلحة من سنسقط خيار صندوق النقد؟” محذراً من الوصول إلى النموذج الفنزويلي والتوجه إلى الشرق، فـ”نحن لا نريد أن ندير ظهرنا للغرب، نريد أن يبقى لبنان متوازناً ومزروعاً في شرقه، ومتفاعلا مع محيطه. ولكن وجهه صوب الغرب”.
وعلى نحو “إنشائي” قال: “انتظار الحل من الخارج هو موت بطيء. ونحن مدعوون لكسر جدار الحصار. وما من انتصار لأحد على أحد. بل الخسارة للجميع، والكلّ يخسر من شعبيّته عندما يفتقر كل الشعب وينهار البلد”، “خسارتنا من اليوم لخيار صندوق النقد هو خسارة لورقة أو لإحدى أهم الخيارات التي يملكها لبنان”.
أميركياً، قال “لا نريد المواجهة مع الولايات المتحدة. لا بل نريد أن نحافظ على الصداقة. و(قانون) قيصر ليس قانوناً دولياً. ولكن لدى أميركا القوة لفرضه”. لكن القراءة العونية الباسيلية تبقى مميزة كالعادة، إذ قال عن قيصر: “إن طبّق يعني قطع حدود وزيادة عبء النازحين. لا بل استقدام المزيد منهم، بسبب تردّي الأوضاع الاقتصادية في سوريا”. إذاً سيهرب السوريون إلى “جنة لبنان” بظن باسيل. هذا هو قانون قيصر بالنسبة له!
النزعة التنبؤية لديه لا يلجمها أي واقع، إذ قال بنبرة واثقة: “ما يحصل هو فرصة كبيرة للبنان لتغيير اتجاه اقتصاده. وهو ما لم يكن ليحصل لو بقينا في ظروف الدعم نفسها من الدولة بالاستدانة”. وذهبت تنبؤاته ليربط مصيرنا بـ: “اتفاق الولايات المتحدة وإيران سيحصل ولو بعد حرب. وسيغيّر أمورا كثيرة عندنا ويريحنا. ولكن التوقيت ضاغط بالنسبة لنا. لذا لا أقول أنّه علينا الانتظار بل علينا الصمود. والصمود يكون بالعمل على الإصلاحات”. هل من يدقق بهذه العجينة العجائبية من الكلام “السياسي”! خصوصاً عندما يقول مثلاً: قد نصل إلى حرب عالميّة. وهو المبتدئ كلامه كله على منوال: “في 13 تشرين 1990 كانت المعركة وجودية لأنها تتعلق بلبنان الحر السيد المستقل واليوم المعركة أيضا وجودية لأنها تتعلق بمصير الدولة. والمنظومة السياسية والمالية المتحكمة قطعت السيولة المالية لتطلق شرارة الحراك الشعبي في 17 تشرين. ومع تراجع الحراك الصادق قررت أن تتلاعب بسعر صرف الليرة وتسكر حنفية الدولار”.
من كان هذا تفكيره، لا غرابة أن يجد الجميع أشراراً وهو “المخلص”. بل لا عجب أن يكون وضعنا كارثياً طالما يحكمنا هو وأشخاص شبيهون به وإن كانوا خصومه وشركاءه في آن واحد.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى