اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

خطة الحكومة مع الصرافين.. والسوق السوداء

هتاف دهام

يبدو أن أحداً لا يستطيع التحكم بسعر الصرف. فالحلول الجذرية لمشكلة ارتفاع سعر الصرف لا تزال معدومة، ومرد ذلك أن الدولة تخلت عن مسؤولياتها الأساسية بحماية النقد الوطني وجيرّته للقطاع الخاص، أي الصرافين فباتوا المرجع الوحيد للحصول على العملة الأجنبية. 

وليس بعيدا، فإن التعاميم التي أصدرها مصرف لبنان ساهمت في تغذية سوق الصرافين عبر مدّ المواطنين بالعملة الوطنية بدل العملة الأجنبية سواء بالنسبة إلى تحويلاتهم المالية أو ايداعاتهم لدى المصارف مما جعل هؤلاء يتجهون إلى محال الصيرفة للحصول على العملة الأجنبية.

وليس صحيحاً أن العرض والطلب يحددان سعر العملات الأجنبية. فأليات العرض والطلب مفقودة في سوق الصرافين، يقول نائب رئيس لجنة حماية المستهلك في نقابة المحامين في لبنان المحامي عيسى نحاس لـ”لبنان24″ ؛ والعملات الاجنبية محتكرة من قلة قليلة من الصرافين الذين يحددون سعر الصرف بإرادتهم المنفردة من دون أي رقابة من الدولة في ظل غياب معايير حساب العرض والطلب وعدم وجود آلية لتسجيل العمليات الصرفية في السوق، مما يدخلهم في دائرة الاحتكار المجرمة قانوناً.

يزعم الصرافون أن كل حاجة السوق تتغذى من بعض فئات الشعب الذي يملك العملات الأجنبية، بيد أن هذا الزعم هو زائف، بحسب نحاس، للأسباب التالية:

إن منطق الوساطة المالية في الأوضاع الطبيعية يستقيم مع معادلة العرض والطلب. أما في وضع الأزمات وشح العملات الأجنبية فينتفي، لأن الجمهور لا يقدم على عرض العملات الأجنبية طالما أنها في ارتفاع مستمر وبالعكس يسارع إلى تبديل الليرة اللبنانية بالعملات الأجنبية. 
المواطن لا يقدم العروض، فهو يتوجه إلى الصراف ويسأله عن السعر فإذا لم يناسبه يحجم عن البيع، في حين أن الصرافين يعرضون شراء العملات الأجنبية بسعر مرتفع بهدف سحبها من يد العامة، ومن ثم يعمدون الى احتكارها تمهيدا لبيعها بأعلى الأسعار.
إن تلبية كل الحاجات التجارية للشركات والمواطنين إضافة إلى تلبية حاجات المواطنين أمر لا يمكن أن ينتج من العملات الأجنبية الموجودة بحوزة الجمهور.

إن وجود العملة اللبنانية بيد العامة لا يمكن أن يُنتج إلا طلباً وشحاً للعملات الأجنبية فلا بد من منابع لسحبها من خارج السوق اللبناني، أي من خارج أيدي الجمهور الذي لا يحوز إلا قدراً قليلاً منها.
إن التعامل في السوق اللبناني يتم بالعملة اللبنانية ولا مصادر لجني العملات الأجنبية إلا من قبل الصرافين.

وهنا لا بد من أن يقوم مصرف لبنان بدوره لجهة حماية النقد الوطني والتدخل في سوق القطع، وقطع الطريق على احتكار العملات الأجنبية والتحكم بقيمة الليرة اللبنانية وبأسعار المواد والسلع الأولية وفي الحياة الاقتصادية اللبنانية، والتدخل سريعا لدى المستوردين لتأمين الدولار الأميركي لهم بسعر الصرف الرسمي أو بسعر مدعوم من أجل مساعدتهم وقطع الطريق على الصرافين لاستغلالهم. فما سمّته المصارف fresh money التي تقوم على إمكانية التصرف بالمبالغ المودعة حديثاً بالعملات الأجنبية يدفع التجار والمستوردين إلى  اجراء عمليات الصرف لدى الصرافين لوضع المبالغ بالعملات الأجنبية في حساباتهم وإيفائها للموردين سواء بحوالات أو اعتمادات مستندية أو شيكات أو غيرها، كون هذه المبالغ وحدها يمكن التصرف بها.

وسط ما تقدم، فإن الملفت والمستغرب، بحسب نحاس، أنه في الوقت الذي لاحقت  فيه النيابة العامة المالية عدداً من الصرافين، ومن بينهم النقيب ونائبه وعشرات الصرافين غير الشرعيين لتلاعبهم بالعملة الوطنية، تجلس النقابة الى طاولة التفاوض مع الحكومة من موقع القوة، فيطلق صرافوها الوعود كتثبيت سعر الصرف بهدف الاستيلاء على العملات الأجنبية من يد الجمهور، بمساهمة مباشرة وغير مباشرة من السلطات الرسمية التي تواصل التفاهم مع الصرافين وخلق الاعتقاد المذكور لدى الناس.


العوامل الداخلية والخارجية 

لكن من أين يستحصل الصرافون على أموالهم بالعملات الأجنبية؟ لا شك في أن هناك مصدراً معترفاً به من الصرافين ولا جدال حوله ويتمثل بالعملات الأجنبية المتوافرة لدى الجمهور ومصادر أخرى، علما ان نحاس يتحدث عن مصدرين:
المصدر العلني يتمثل بتلقي الصرافين العملات الأجنبية من العامة الذين يعرضونها وبيعونها إلى جمهور يعرض شراءها. من هنا يجدر التساؤل عن مصادر العملات الأجنبية التي تضاف إلى ودائع الصرافين، والمصادر غير المعلن عنها ويمكن رد هذه الموارد إلى عاملين:
عامل داخلي يتصل بأموال صادرة عن المصارف سواء مباشرة من أموال المودعين أو غير مباشرة عبر تغطية المستندات اللازمة لنقل الأموال من الخارج ومن ثم تأمينها للصرافين وأحياناً مباشرة عبر شركات نقل الأموال إلى الصرافين المجاز لهم إجراء التحويلات المالية أي الفئة “ب”.

عامل خارجي يتمثل بأموال تنقل بالتهريب عبر الحدود البرية أو البحرية أو الجوية وبعائدات تبييض الأموال المتصلة بعمليات صرف في بلدان أخرى.

وعليه، فإن خطة الحكومة بمد الصرافين من الفئة “أ” بالعملة الأجنبية لضخها لتجار المواد الغذائية ستؤدي الى سوق سوداء في القطاعات غير المشمولة، وهي القطاعات الغالبة مما سيؤدي الى ارتفاع سعر العملات الأجنبية في السوق السوداء ويؤدي الى انخفاض جديد في سعر الليرة خصوصاً مع عدم إمكانية مصرف لبنان الضخ بعد فترة.

وسط ما تقدم، لا بد للحكومة، كما يقول نحاس، أن تقوم بالإجراءات التالية:
-إعلان حالة طوارئ نقدية ومصادرة العملات الأجنبية من الصرافين خصوصاً أنهم وسطاء بين الشاري والبائع ولا يجوز لهم تخزين العملات الأجنبية، وكل تخزين لا تفسير له سوى المضاربة بسعر العملة الوطنية.
-سحب جميع تراخيص الصيرفة وإعادة إعطائها على أسس جديدة وحصر الصرف والضخ بالمصارف في الوقت الراهن إلى حين إصدار قانون جديد ينظم مهنة الصيرفة في لبنان.
-حل نقابة الصرافين ووضع إشارة على أموال الصرافين  جميعا وفتح تحقيق في مصادرها خصوصاً أصحاب الأموال الفاحشة منهم.
-إنشاء المنصة الآلية، بحيث يتم تسجيل جميع العمليات المصرفية لتحديد سعر صرف العملات الأجنبية بناء على معايير العرض والطلب وسائر المقومات الاقتصادية للعملة الوطنية، ويعطى كل من يصرف أموالاً إيصالا صادراً عن النظام الإلكتروني كما يتيح لوزارة المالية إجراء الرقابة على أرباح الصرافين لفرض الضريبة عليهم.
-التشدد في تطبيق القوانين المرعية الإجراء على الصرافين والعملاء لا سيما قانون تبييض الأموال الذي يلزم كل من يصرف مبلغاً يفوق الحد الذي يحدده مصرف لبنان بالتصريح لدى الصراف الذي يعلم مصرف لبنان لإجراء رقابته، وقانون الإثراء غير المشروع لمراقبة الإثراء والأرباح غير المنطقية وقانون العقوبات لجهة المواد المتعلقة بالتأثير بالعملة الوطنية الخ…
-تحرك وزارة المالية والحجز فوراً على أموال الصرافين وناقلي الأموال تحصيلاً للضرائب والرسوم والغرامات وتكليف لجنة قضائية مالية تعمد إلى التقدير المباشر للضرائب المفروضة عن السنوات العشر المنصرمة إضافة إلى الضرائب المقررة وسحب رخصة الترخيص من أي صراف لا يكون بريء الذمة تجاه الإدارة الضرائبية سواء كانت مالية او بلدية أو أي دين لمصلحة الدولة اللبنانية لأي سبب كان.
-تحريك القضاء المختص لا سيما النيابة العامة المالية والضابطة العدلية المتخصصة وتعزيزها بالكفاءات لملاحقة التلاعب بسعر صرف العملة اللبنانية.
-رفع السرية المصرفية عن المشتركين بجرائم التلاعب بالعملة الوطنية من عائلات الصرافين الشرعيين وغير الشرعيين والحسابات التي قد يملكها الصرافون بأسماء مستعارة وناقلو الأموال وكل من يثبت ضلوعه بالتلاعب بسعر العملة الوطنية، ومراقبة تقيد المصارف والصرافين بقانون مكافحة تبييض الأموال، وتقيد المصارف بعدم فتح حسابات مصرفية لمصلحة الصرافين وفق ما ينص عليه القانون.

لبنان ٢٤

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى