اخر الاخبارمقالات وقضايا

فراس الدحويش قتله الانفجار وأسقطت عنه الدولة هويته اللبنانية

نادر فوز

أسست جريمة مرفأ بيروت لسلسلة جرائم أخرى، كبرى وصغرى، مستمرة منذ مساء 4 آب الماضي. من بين هذه الجرائم، أعداد وأسماء ولوائح ضحايا التفجير، الشهداء المفترضين الذين سقطوا من دون أن يكون لهم دور أو علم أو رغبة في الموت. أشخاص، أقرب إلى كونهم ضحايا، قتلوا في منازلهم ومراكز عملهم والطرقات، لا لشيء إلا لأنّ دولتهم قرّرت ذلك.

ومن بين الجرائم أيضاً قضية المفقودين، والبحث عنهم، التي لا تزال عالقة. حدّدت قيادة الجيش عدد المفقودين بسبعة، من ثلاث جنسيات مختلفة، في حين تشير أرقام متداولة عن وجود ما يزيد عن أربعين مفقوداً، بحراً وبراً، لا يزال مصيرهم غير معروف. مرّ شهر، وتتوالى الجرائم الكبرى والصغرى المنبثقة عن جريمة تفجير مرفأ بيروت، لتطرح كمّاً من التساؤلات أيضاً حول مصير الأحياء المنكوبة ومصير أهلها، عمرانها وتعويضاتهم. ومن بين هذه الجرائم أيضاً، قضية فراس معتب الدحويش، أحد ضحايا التفجير الذي تشعر عائلته أنه يقتل مرّة جديدة.

الإصابة القاتلة
توفي فراس الدحويش يوم الأحد في التاسع من آب، متأثراً بالجروح البليغة التي أصيب بها جراء التفجير. هو عامل في المجال الثقافي منذ عشرين عاماً، ولا يهم موقعه المهني ولا الاجتماعي في جريمة مماثلة أصلاً. كان ماراً في منطقة بشارة خوري، حيث اهتزّ المرفأ ومعه المدينة والكوكب، فسقط ضحية 4 ألواح زجاجية وسياج حديدي. نقل إلى مستشفى كليمنصو حيث تمّت محاولة علاجه، مع أمل ضعيف بالنجاة. “كان قفصه الصدري قد هشّم الرئة، ولديه نزيف حاد في ظهره، كان الأكيد أنه سيصاب بشلل دائم، هذا أمر مفروغ منه، لكن بسبب مضاعفات النزيف الداخلي والخارجي، توقفت أعضاؤه الداخلية وتوفى”، يقول هيثم، أخوه.

خطأ صغير
غاب اسم فراس عن لوائح وزارة الصحة، ليصدر في آخر اللوائح الرسمية الصادرة عن الوزارة يوم 3 أيلول الجاري. في الخانة رقم 56، فراس متعب الدحويش، فلسطيني، مستشفى كليمنصو. فراس لبناني، يحمل الهوية وعائلته تسكن بيروت. شعرت عائلته بأنها مهمّشة أو يتم التنصّل منها. أصلاً الضحية ضحية، من دون تمييز في الجنسية أو اللون أو اللهجة أو الشكل أو المعتقد. ضحية جريمة ارتكبها مسؤولون في الدولة اللبنانية. خطأ صغير، أشعر العائلة بالمهانة، ليس من باب عنصري طبعاً، “ومع كل الاحترام لكل الجنسيات، الفلسطينية واللبنانية والسورية والبنغالية والهندية والفرنسية والفيليبنية”، مع كل الاحترام لكل شيء، نشعر بالمهانة يقول هيثم الدحويش. كان هيثم حاضراً في مستشفى كليمنصو طيلة أيام وجود فراس فيها. قدّم كل الأوراق الثبوتية اللازمة للجهات المعنية، وتفاجأ باللائحة الرسمية الصادرة عن الوزارة. فتوجّه إليها وسأل موظفين فيها طالباً تصحيح الخطأ، “إيه مش مشكل، منزبّطها” أجيب. ولم يحصل شيئاً إلى الآن، والمطلوب فقط “المحافظة على حقّه المعنوي”.

قتل معنوي
يوم حفل تأبين ضحايا التفجير وشهدائه قبل أيام، جلست أمّ فراس وهيثم أمام شاشة التلفاز تلفظ دموعاً إضافية على ابنها. لم تكن بين الحاضرين في الحفل، “فجلست تبكي مرّتين” على وفاة ابنها وعلى سلبه من حقّه المعنوي واعتراف رسمي بشهادته، يشير هيثم لـ”المدن”. وهنا، سؤال بديهي حول الدعوات التي وجّهت لأهالي ضحايا التفجير، إن كانت شملت أسر جميع من سقطوا، من لبنانيين وغير لبنانيين. لا جواب رسمياً، ولا وضوح في هذا الخصوص. كأنّه للضحايا طبقات أو مستويات، وهو الأمر الذي يمكن حوله رسم العديد من الملاحظات في التغطيات الإعلامية أساساً.

أخطاء اللوائح الرسمية
وفي مراجعة اللائحة الأخيرة الصادرة عن وزارة الصحة، تشير الأخيرة إلى توثيق سقوط 191 ضحية جراء التفجير. منهم فلسطيني واحد، فراس الدحويش. في حين أنّ التدقيق بأسماء الضحايا في سجلات الوزارة والهيئات الأخرى، يشير إلى وجود ضحية فلسطينية أخرى هو محمد دغيم. والأخير مسجّل على اللوائح الرسمية كلبناني. وفي اتصال مع مدير الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان، الدكتور سامر شحادة، يقول الأخير إنه “علمنا بسقوط ضحيّتين، محمد دغيم وفراس الدحويش”، مؤكداً على أنّ “لا تمييز يجب أن يحصل في موضوع الضحايا”.

كما أنه في لوائح الوزارة، إشارة إلى وجود 12 ضحية من الجنسية السورية، في حين تشير مصادر إغاثية سورية ولبنانية إلى وجود ما لا يقلّ عن 40 ضحية من التابعية السورية، مع عرض شبه كامل لأسمائهم وأعمارهم والمحافظات السورية التي يتحدّرون منها. وإن صحّ هذا الرقم، يكون عدد ضحايا التفجير مرشّح للارتفاع إلى ما يقارب 240 ضحية.

توضيح الوزارة
من جهتها، تشير مصادر في وزارة الصحة لـ”المدن” إلى أنّ “فرق الوزارة عملت على تأكيد الأسماء والأرقام وتحديث اللوائح بناءً على المعلومات التي وثّقتها من مختلف المستشفيات”، فتحيل الخطأ الوارد في موضوع فراس الدحويش إلى “احتمال أن يكون خطأ في سجلات المستشفى”. وحول أعداد الضحايا، تضيف أنه “لا يمكن لأي شخص توفى في التفجير إلا أنّ ينظّم في الوفاة محضراً من قوى الأمن وتقرير صادر عن المستشفى، وبالتالي أرقامنا مبنية على قاعدة دقيقة ورسمية”. ويشدّد المصدر نفسه على أنّ “الوزارة لم تتعاط في هذا الموضوع، أو غيره، على أساس الجنسية بل أكدت على وجوب تقديم الإسعافات والعلاجات والخدمات الطبية والاستشفائية لكل مصاب”، مع الإشارة إلى وجود ما لا يقلّ عن 15 حالة أصيبت في التفجير ولا يزال وضعها حرج في المستشفيات. وحول أعداد المفقودين، تحيل مصادر الوزارة الموضوع إلى “قيادة الجيش والقوى الأمنية المسؤولة عن هذا الملف”.
فراس الدحويش، شاب، ناشط، عامل في الثقافة، له أهل وأقارب، سقط في التفجير. يمعن مسؤولون في الدولة اللبنانية، بخطأ فردي أو جماعي أو عام، في قتلته مرة أخرى. قتلوه في التفجير، ويقتلونه مرة أخرى في إسقاط هويته اللبنانية عنه. هذه قصة القتل اليومي، المكرّر والمتنوّع، التي يعيشها لبنانيون أحياء وأمواتاً. فكيف الحال إذاً مع ضحايا غير لبنانيين في الأصل، يعانون من دونية ولا مبالاة وعنصرية اجتماعية ورسمية؟ في هذه الدولة كافة أشكال التمييز موجودة، لكنّ الأكيد أن كل هذه الفئات المهمشّة وغير المهمّشة تعاني من وِحشة غياب المؤسسات والمحاسبة. 

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى