اخر الاخبارمقالات وقضاياهام

ثلاث خطوات فاشلة: الحذلقة اللبنانية لا تُقنع صندوق النقد

خضر حسان

لا يُنكر أي لبناني حاجته للمال في هذه الأيام. يختلف حجم المبلغ وفق نوع الحاجة والانتماء الطبقي. فأهل الطبقة الفقيرة وما دون خطّها، لا خيار لديهم سوى القبول بمساعدة بقيمة 400 ألف ليرة، ترى فيها القوى السياسية وسيلة لإسكات الجمهور عبر إعطائه سمكة ليأكلها. غير أن تلك القوى تتجاهل متغيّراً مهماً، وهو تدويل الأزمة، حيث لا ينفع العقار الذي يُخدَّر به الجمهور في الداخل. فأزمة اقتصادنا لا تُحلّ بتلميع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة صورة مصرفه وصورته الشخصية، ولا يُستمال صندوق النقد بزيادة عدد الاجتماعات به، كما أن الأحوال المعيشية لا تصطلح بضخّ جرعة من المال.

خطوات ايجابية
اجتمعت السلطة التشريعية بحضور الحكومة صاحبة السلطة التنفيذية، للبحث في قضايا تعتبرها مصيرية في حياة اللبنانيين. لكانت كذلك لو أن الأحوال مختلفة، أو على الأقل، لو أن الاطراف التي تبحث القضايا، متوافقة على ضرورة إخراج البلاد وشعبها من الأزمة.

خطوات تراها السلطة السياسية إيجابية وتبني عليها لاستمالة صندوق النقد والمجتمع الدولي. إقرار فتح اعتماد اضافي بقيمة 1200 مليار ليرة لمساعدة الأسر الأكثر فقراً والقطاعات الزراعية والصناعية والتعليمية. هذا ما خلص إليه مجلس النواب، الذي قسم الاعتماد مناصفة بين توزيعٍ مباشر على الأسر وبين دعم للقطاعات.

بالتوازي، كان المكتب الاعلامي لوزارة المالية ينتشي بانعقاد الجلسة الثامنة مع الصندوق، والتي بحثت “تفاصيل خطة التعافي التي أعدّتها الحكومة وإعادة هيكلة القطاع المالي ومصرف لبنان وضوابط رأس المال”. وبالتوازي، وجد حاكم البنك المركزي مناسبة إضافية لتأكيد القدرة على “إجراء التعديلات المحاسبية المطلوبة للتفاوض مع الدائنين والشروع في الإصلاحات، من دون اللجوء إلى المصارف أو الدولة، شرط أن تسدد هذه الأخيرة ديونها لنا”، مشيراً إلى أن “المصرف المركزي يمتلك اليوم 20 مليار دولار نقدي و15 مليار دولار مخزون ذهب”.
ثلاث خطوات تردّ بها السلطة على منتقديها ومن يرميها بتُهَم التقصير وأخذ البلاد الى الهاوية. هكذا إذاً تريد السلطة استقبال صندوق النقد وانتشال البلاد من هاويتها.

إقناع الخارج
تتجاهل هذه السلطة أنّها لا تشرّع للداخل فقط، فهي مذ أعلنت تخلّفها عن سداد مستحقات سندات اليوروبوندز للدائنين، دوَّلَت أزمتها، مراهنة على سهولة تغيير جوهرها من دون سابق انذار والانتقال إلى الموقع النقيض لما امتهنته لعقود. لكنها لم تعدو كونها تعدّل في ألوان جلدها، علّها تخدع المجتمع الدولي عبر “استغلال” دعم صندوق النقد الدولي، وربما أعضاء مؤتمر سيدر أيضاً. فكانت النتيجة مزيداً من الخداع للشعب اللبناني فقط. إذ يفهم المجتمع الدولي نمط تفكير السلطة السياسية اللبنانية. ولذلك، كان صندوق النقد ذا قرار حاسم بضرورة إجراء الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية. وهذا الرأي واضحٌ منذ طُرحَت مسألة الاستعانة بالخبرات الفنية للصندوق، فقد أكد المتحدث باسم صندوق النقد الدولي، جيري رايس، أن لبنان “يحتاج إلى إجراء سلسلة من الإصلاحات الاقتصادية الهيكلية لزيادة الثقة واحتواء التضخم في الوقت الذي يتحرك فيه لدعم اقتصاده”.

وعلى عكس ما يريده الصندوق، تتخبط القوى السياسية لتنفيذ مشاريعها، وتتمسك بها حتى الرمق الأخير، وإن كان الثمن تأخير عملية الانقاذ. وربما في العمق، لا تريد هذه القوى الانقاذ، لأن ذلك مرتبطٌ بالاصلاح وبالعزوف عن عقد الصفقات المشبوهة وهدر المال العام.

على أنّ التخبّط المحلي له ارتدادات خارجية تنعكس على الثقة التي تبتعد شيئاً فشيئاً. والابتعاد يُقرأ من تجاهل الصندوق لمحاولات القوى السياسية إيهامه قيامها بالإصلاح، وتأكيده على أن المطلوب هو إصلاحات جدية. فالصندوق لا يعمل وفق العقلية اللبنانية، وإن كانت للسياسة الدولية حصة في التأثير على قراراته وآلية عمله، لكنه لا يفرض نفسه بالقوة. وعليه، فالصندوق ينتظر قراراً نهائياً من لبنان، يحسم فيه ما يريده بالتحديد. إن أراد المساعدة، عليه بالإصلاحات، وإلاّ فليحافظ كل طرفٍ على موقعه.

مؤشرات سلبية
ما يشاهده صندوق النقد واضح. صورة سلبية تعززها مخاطبة الصندوق بأكثر من لغة. فالحكومة تتحدث بلغة، ومصرف لبنان بأخرى، وصفقات القوى السياسية تمثّل لغة ثالثة، والمجتمع المدني لغة رابعة… من دون وجود مفردات مشتركة يمكن البناء عليها لتقريب وجهات النظر. واللغات المختلفة تعني أولويات متفاوتة ونظرة مستقبلية لنتائج متفاوتة تُنتَظَر من مساعدات الصندوق.
وليس الانقسام وشحن الشارع على خلفية اقتراح قانون العفو العام المتضمّن عودة عملاء إسرائيل الذين فرّوا من جنوب لبنان اثر الانسحاب الاسرائيلي عام 2000، سوى دعم اضافي للانقسام السياسي الذي لا يجد ما يهدّئه سوى الاتفاق على تقديم بعض الأموال المباشرة للناس، كطُعمٍ. فلو قُدِّرَ لصندوق النقد اعطاء لبنان أموالاً، لفرّقتها القوى السياسية في جهات نفوذها الأربع، محاولة شراء ذمّة جمهورها ليشهد في صفّها على حُسن خطتها الاصلاحية التي لا تخرج من اطار استكمال المشاريع عينها التي أطاحت بالاقتصاد اللبناني.

الخلاصة الكلام
الوقوف بين ضرورة مساعدة المواطنين الأشد فقراً، وبين ضرورة صرف ما تبقّى من أموال لدى لبنان على القطاعات الانتاجية بغية تقوية الانتاج ودعم الاقتصاد، أمرٌ محيّر. لكن الأكثر إلحاحاً هو اجراء إصلاحات ودعم القطاعات الانتاجية، وهذا العنوان العريض يحدد الوجهة الأمثل لصرف الأموال.

فالناس، حتى الأشد فقراً، ما عادت تحفل بتلقّي مساعدات، لا تتعدّى كونها إبر مورفين لاسكات الأوجاع، بل باتت أكثر تقبّلاً لخيار احتمال المزيد من الأوجاع، فيما لو كانت النتيجة تقدماً على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. فبات الجميع يعلم أن توزيع المساعدات يحمل في خلفياته مآرب سياسية انتخابية زعاماتية، وهو ما برهنته لوائح الأسماء الوهمية وغير المستحقة التي شابتها عملية التوزيع الأولى قبل أن يتسلّمها الجيش.

وخلاصة البحث حول مساعي السلطة السياسية، يوصل إلى خلاصةٍ من أهل البيت، أتت على لسان وزير الداخلية والبلديات محمد فهمي الذي أكد أن “أخبار الفساد بغياب محاسبة الفاسدين تدفع بالمواطن إلى اليأس والاعتقاد أن هناك من هم فوق القانون”. فالقوى السياسية أفقدت المواطنين والمجتمع الدولي كل ثقة بإنجاز الاصلاحات واقصاء الفاسدين ومحاسبتهم. ما يعني أن ما تفاخر به السلطتان التشريعية والتنفيذية، بالإضافة إلى مصرف لبنان، لا يساوي سوى الفشل.
وحسب مسار التحذلق اللبناني، لا يحمل المستقبل القريب خيراً. وإن كان المجتمع الدولي قد غضّ الطرف عن تعليق دفع سندات اليوروبوند، بغية ترتيب الوضع الداخلي تمهيداً للدفع لاحقاً، فإن الاشارات السلبية المرسَلَة مع المسرحيات السياسية، ستزيد عزلة لبنان عن المجتمع الدولي.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى