اخر الاخبار

صوت سماسرة العقارات بغياب القانون: تفجيرُ بيروت أرباحٌ خيالية

خضر حسان

فَرَضَت جريمة تفجير مرفأ بيروت، جولة من الصمت سادت كل الملفّات الخلافية، ومنها ملف الإيجارات الذي يشهد منذ العام 2014، عملية مدّ وجزر لم تفضِ إلى أي حلّ يرضي المستأجرين القدامى أو المالكين. إذ تستمر المواجهة بين الطرفين وسط غياب قانون واضح ينظّم العلاقة بينهما.

لم يكن سهلاً تخلّي أيّ من الطرفين عن حقوقه. والمستأجر لن يغامر بالخروج من المنزل إلى الشارع أو إلى منزل آخر بتكلفة أعلى، وصاحب العقار لن يستعيد ملكه بتقديم تنازلات ليس مضطرّاً إلى تقديمها، فهو صاحب الملك.

تغييرٌ في المعطيات
بعد الرابع من آب، ظهرت معطيات جديدة في هذا الملف. فالمبنى موضوع النزاع، تهدّم بفعل التفجير، أو بات آيلاً للسقوط. أي في الحالتين، المستأجر بات بلا منزل، لكنه يملك حقّاً لا يلغيه التفجير، وصاحب الملك لديه الحق في إعادة بناء ملكه والاستفادة منه.
المعطيات الجديدة هي اختفاء موضوع النزاع، فيما طرفيه عالقان وسط غياب قانون واضح ونهائي، وكلٌّ منهما يريد سرد مظلوميّته. لكن في الحالتين، الدولة هي المسؤولة والمُطالَبَة بانهاء الملف بصورة عادلة.

الدولة لم تبادر لحل الملف. هي لم تبادر في الأصل لإزالة الركام وإحصاء الأضرار وتقييمها ووضع آلية للتعويض على المتضرّرين، سواء كانوا من المستأجرين أو المالكين. فتُرِكَ الطرفان في مواجهة واقع يزيد الملف تعقيداً، وإنهاؤه يتطلّب إعادة نظر في القانون الجديد المعلّق أصلاً، بانتظار إنهاء اللجان النيابية بحث تعديلاته، وإقرارها لاحقاً. وإن كان انتظام الحياة السياسية وهدوء الواقع الاقتصادي نسبياً، لم ينتج حلاًّ عادلاً للملف، فهل تستطيع الضغوط إنتاج حلٍّ يناسب الطرفين؟

بين المالك والمستأجر
لم يُطرَح ملف الإيجارات وحقوق المالكين والمستأجرين القدامى، بشكل جاد بعد التفجير. بل أكّد الطرفان على ضرورة تخطّي المرحلة الحالية، مع الإشارة إلى ضمان حقّ كل طرف.
لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين القدامى رأت في التفجير فرصة للمالكين والسمارة العقاريين لإخراج المستأجرين القدامى من بيوتهم من دون أي تعويض، أو في أحسن الأحوال، إخراجهم بشروط مجحفة.

ليست المسألة محصورة برغبة المالكين، بل في جشع سماسرة العقارات الذين يدفعون بالمالكين للوقوف في وجه المستأجرين بصورة قاسية. ويجري ذلك تحت ضغط الترغيب بالأرباح المادية التي سيجنيها المالكون في حال إخراج المستأجرين، وهدم المباني القديمة، وإنشاء أبراجٍ تدرّ الأرباح الخيالية، فيصبح المالكون بيدقاً يحارب المستأجرين، بتحريض من السماسرة وبعض مكاتب المقاولات.

لذلك، تشير لجنة الدفاع إلى ضرورة “مواجهة محاولات بعض السماسرة وممثلي الشركات العقارية الاستفادة من مأساة تفجير المرفأ، لرمي المستأجرين القدامى في الشارع بحجة عدم وجود إمكانية لترميم المنازل المهدمة”. وقد قررت اللجنة “التواجد في المناطق المنكوبة وتجميع المستأجرين القدامى والعمل على وضع حد للدعوات الممجوجة من قبل هؤلاء إلى عقد “اتفاقات رضائية” تؤدي إلى إقرار القانون التهجيري”.

والاتفاقات الرضائية بحسب ما يقوله عضو اللجنة كاسترو عبد الله، هي اتفاقات “يحاول السماسرة من خلالها التوصّل إلى اتفاق مع المستأجرين، خارج أي نص قانوني”. ويذكر عبد الله في حديث لـ”المدن”، أن هذه الخطوة بدأت “منذ العام 2014 في مناطق زقاق البلاط والخندق الغميق والجمّيزة وكرم الزيتون والأشرفية وغيرها من المناطق. وقد اشتروا الأبنية بنحو 50 إلى 60 بالمئة من قيمتها الفعلية. علماً أن السماسرة يدّعون تمثيل أصحاب الأملاك، فيما هم يبحثون عن مصالحهم فقط”. وفي السياق، يدعو عبد الله المستأجرين إلى “عدم توقيع أي اتفاق رضائي”.

المالكون من جهتهم يرغبون في عدم بيع المباني. فقد اعتبرت نقابة مالكي العقارات والأبنية المؤجرة في شارع مار مخايل في الأشرفيه، أن الدعوات لبيع المباني هي “دعوات مشبوهة”. وطمأنت المستأجرين إلى “وجودهم ضمن أحكام القانون”. أما دعوتها لإخلاء المباني، فلا تتعدّى المباني المهددة بالانهيار، بهدف “تدعيمها وترميمها حفاظاً على أرواح المالكين والمستأجرين وجميع السكان”.

الحل بالقانون
في أي قضية خلافية، القانون هو الحكم. لكنّ القانون في هذه القضيّة معطّل، والدولة غائبة. فمن هو الحَكَم، وكيف سيضمن المالكون حقوق المستأجرين في ظل غياب القانون؟
في حالة غياب القانون، الخصم الأقوى هو الحَكَم، خاصة عندما يملك أوراقاً رابحة ونفوذاً تمتد من السلطة السياسية إلى سلطة المال والسماسرة. والمالكون في هذه الحالة هم الأقوى، لكن مع استثناء صغار المالكين، لأن هؤلاء يُترَكون عادة لمواجهة مصيرهم أسوة بالمستأجرين.

لا أحد يعرف ما ستؤول إليه الأمور. لا قانون حالياً ولا تعويضات ولا قرار حيال الأبنية الآيلة للسقوط. طرفا القضية باتا على ضفّة واحدة، وهي الانتظار. وما يمكن تأكيده، هو أن المالكين لديهم الحق في الاستفادة من أملاكهم، والمستأجرين لديهم الحق في السكن وعدم الاضطرار إلى الخروج من بيوتهم إلى الشارع، في ظل صعوبة تأمين مساكن بحسب الأسعار الحالية المرتبطة بارتفاع الدولار.

وفي ظل غياب المسار الواضح للحل، فإن سماسرة العقارات هم الفائز الأبرز. إذ يعملون على إيجاد تسويات تمكّنهم من تحرير العقار ومضاعفة قيمته. ولا يفترض بهذا التوجّه أن يندرج ضمن خانة الحرية الفردية وحرية التصرّف بالممتلكات، لأن رفع الأسعار لا يقتصر على عقار دون آخر، بل يتحوّل خلال فترة زمنية قصيرة إلى حالة عامة، تحرم ذوي الدخل المحدود من حقّهم في السكن، وترفع معدّلات العقارات غير المباعة. وهو مؤشّر يزيد من سلبية الوضع الاقتصادي.

السجال بين المستأجرين والمالكين، كان يحتمل الإطالة في الأيام العادية، لكنه لم يعد كذلك في ظل جريمة تفجير المرفأ، واضطرار الطرفين لتحمّل تداعيات التفجير سريعاً.

المدن

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى